quot;على السيد المالكي أن يدرك أنه في حال أطلق فترة من الصراعات في العراق على أساس طائفي، فليس مرجحا بالنسبة لنا أن نصمتquot;، تحذير اطلقه رئيس الوزراء التركي في سلسلة تحذيرات تركية سابقة عنوانها: quot;تركيا لن تسكتquot; بعث بها اردوغان للتنديد بقمع الاحتجاجات في سوريا، وتهديد اسرائيل ان قامت بحرب جديدة ضد لبنان وتحذيرها من اعادة احتلال غزة.
التصعيد التركي تزامن مع تصريحات اعلامية لقاسم سليماني قائد quot;فرقة القدسquot; الايرانية قال فيها quot;ان العراق وجنوب لبنان يخضعان لإرادة إيران وسيطرتها، وبإمكان جمهورية إيران الإسلامية تنظيم اي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك لغرض مكافحة الاستكبارquot;.
يجادل البعض بصحة ما نقل عن الجنرال الايراني. التشكيك غير مهم، فالدور الايراني السيء في العراق ليس خافيا. وهم اليوم بحاجة لتصعيد التهديدات، بسبب ما تمر به ايران من ازمات اقليمية وداخلية.
ويجادل اخرون بأن التصريحات التركية ليست تدخلا، بل نصيحة. دفاع في غير محله، فهي تهديدات، واكثر من ذلك، quot;النصيحةquot; التركية بمعالجة الوضع الطائفي في العراق رسالة طائفية.
اضافة الى التدخل فإن التصريحين يعبران عن الصراع داخل العراق بين دولة تنزلق نحو الطائفية السنية ودولة طائفية شيعية، دولة يحكمها اسلاميون يتسلقون على نظام علماني بهدوء وquot;تقيةquot; ويبحثون عن مجد امبراطوري ضائع، واخرى يحكمها رجال دين لا يترددون في القول ان هدفهم نشر ايدلوجيا الاسلام السياسي في العالم باحثين عن تطبيق فكرة مجنونة.
ومن جهة اخرى يبدو الصراع سباقا بين دولتين قلقتين، فالمتغيرات الاقليمية واوضاعهما الداخلية الملغمة تجعل النظامين في سباق مع الزمن لفرض الوجود، والحصول على اوراق تستخدم عند الحاجة، قبل فوات الاوان.
لعبت تركيا دورا مهما في دعم بعض الاطراف العراقية، تصاعد هذا الدور تدريجيا منذ نهاية عام 2006 بعد مؤتمر عقد في اسطنبول بعنوان مؤتمر quot;نصرة العراقquot; دعيت اليه شخصيات واحزاب اغلبها معارضة، وبعضهما من المسلحين، غير ان الازمة السياسية الاخيرة تعد اكبر تحد يواجه هذا النفوذ.
على الجهة الاخرى يزداد نفوذ ايران، والتصريحات الاخيرة تحصيل حاصل. الدور الايراني ليس تدخلا في الشأن العراقي فحسب، بل محاولة لتوظيف العراق في معركة اقليمية. غير ان الخشية الايرانية هي من انقلاب حلفائها او بعضهم بفعل الضغوط او الاغراءات الامريكية في ساعة الحسم.
الاخطر في هذا الصراع انه يحصل بيد عراقية. فبات معروفا ان الفرقاء السياسيين هم من سهل المهمة. تركيا وايران تستخدمان اغلب التيارات السياسية في الصراع الداخلي، وهذه التيارات تستقوي بهما للحصول على المكاسب.
الفرقاء السياسيون يتعاملون مع الدول الاقليمية وكأنها منبع دعم لا ينضب. انهم مخطئون، تطورات الحدث الاقليمي والداخلي كشفت عن ان حبل الاعتماد على الاجندات الاقليمية قصير.
واخر مؤشر على ذلك المؤشر التركي نفسه. تركيا ومحورها quot;المعتدلquot; لم تستطع حماية حلفائها في الداخل العراقي. وهناك تسريبات تتحدث عن ان امكانية تخلي تركيا عن الاوراق المحترقة لصالح اخرى رغم التصعيد الاعلامي.
والصفعة التي تلقاها الموالون السابقون لـquot;بعث سورياquot; مؤشر قريب اخر. فالقوى السياسية العراقية التي استفادت من الدعم السوري التركي الخليجي وجدت نفسها مؤخرا مضطرة الى اختيار تركيا والخليج ضد سوريا، ما جعل الاخيرة تكشف الكثير من اوراق مواليها السابقين.
ويتذكر المراقب لتطورات الحدث العراقي بعد ان تغيرات موازين القوة في الانتخابات كيف ادارت ايران ظهرها لأكثر حلفائها quot;دلالاquot; لأن نتائجه كانت ضعيفة.
هذه المؤشرات وغيرها تدل على ان العلاقة بالدول الاقليمية محكومة بما يشبه قانون المافيا المشرعن لقتل اعضائها المنشقين او غير المفيدين، او تتقاتل فيما بينها عند حصول مشكلات بين خلاياها.
دول العالم معنية بمصالحها، لا تنتظر كثيرا لالتقاط الاوراق الساقطة. وليس المطلوب ما يروج له البعض من مقاطعة تركيا وايران وغيرهما، خطاب المقاطعة منفعل وتاريخيا كان فاشلا، فالعراق مرتبط مع هذه البلدان بشبكة مصالح متبادلة. على العكس ان وضع حد لتدخلات دول الجوار ليس بالمقاطعة والتهديد، بل بطمأنتها ولعب دور الشريك الند لها. وفي الوقت ذاته المطلوب ان يكف الداخل عن تنفيذ اجندة الخارج.