quot;انتصرنا على التيار العلماني في المناطق الشيعية، الان انتم يجب ان تقوموا بالمهمة، خلافاتنا ليست شيئا مهما امام عظمة الاسلام الجامع بيننا وبينكمquot;.
كلام قاله رجل دين سياسي شيعي لزملائه السنة على هامش اجتماعات لجنة كتابة الدستور العراق عام 2005، الصدفة الصحفية التي اتاحت سماع مثل هذا الحديث قد لا تتيح امثاله الكثير. وللملاحظة ان هذا الرجل ينتمي لتيار يروج لنفسه اليوم على انه راعي الاصلاح والتقارب مع المدنيين ويرفع لواء المواطنة.
شعور النصر يمثل ظاهرة لدى اغلب الاسلاميين. ضمنه تندرج تصريحات زعيم حزب الدعوة الاسلامية نوري المالكي في ذكرى تأبين السيد محمد باقر الصدر، عندما اعلن انتصار الاسلام السياسي على كل اشكال التيار العلماني. رأي لا يخص رئيس الوزراء العراقي، كل الاسلاميين يروجون لمقولة ان تيارهم هازم الماركسية والقومية والليبرالية.
عموم التيار الاسلامي في العالم العربي وايران وتركيا ينظرون لحظة النصر هذه، بعضهم كالمالكي اعلنها مبكرا وبعضهم ما زال. الاسلام السياسي يجد نفسه اليوم قد حقق الخطوة الاهم في حلم الدولة الدينية وquot;وراثة الارضquot;..

لكن يحق لنا ان نسأل في اطار الحديث عن الانتصارات والهزائم، من هزم من؟
وهل ان التيارات السياسية السابقة هزمت على يد الاسلاميين فعلا، ام فقدت قدرتها على الديمومة والاستمرار؟
الدكتاتوريات الجمهورية والدول الاسرية هي من هزم العلمانية في العالم العربية وليس الاسلام السياسي. الصراع بين الاسلام السياسي والعلمانية الذي اندلع فكريا في ستينيات القرن العشرين لم يكن قادرا على حسم المعركة. ابدا، المعركة حسمت بفعل اخفاقات الانظمة، اخفاقات وفشل لم يكتشفها التيار الاسلامي، بل فضحها الواقع والاخطاء المتكررة والجرائم المرتكبة والفساد المستشري.
الفشل السياسي والاجتماعي والثقافي للانظمة ادى الى ارتماء المجتمع في احضان الاسلاميين. الفقر، الجهل، انتشار الظواهر الغريبة... عوامل ساعدت على نمو التيار الاسلامي، المعروف بقوته المتمركزة في الهوامش والمناطق الفقيرة وبين محدودي التعليم، اكثر من غيرهم.
الجماعات الاسلامية الان تحديدا دخلت التحدي. في السابق كان على هامش حاجات الناس ومشاكلهم. اسس لنفسه وجودا من غير ان يختبره المواطن، كأي من معارضات العالم الثالث. واستفاد من كل خطاب الغيب المحمل بالتخويف والتطميع. في الوقت الحاضر يواجه الاسلاميون تحديات شؤون المجتمع، وتسيير معاشهم. الترغيب والتخويف بالغيب بات في مواجهة احتياجات الناس وحياتهم quot;الدنيويةquot;.
صحيح ان القوى القومية واليسارية انطفأ بريقها، لكن هذا ليس بفعل الاسلاميين. هي انهارت من الداخل، عجزت، اجرمت، فقد الناس ثقتهم بها. وجد الاسلام السياسي الارض معبدة له بفراغ كبير، لجأت الاغلبية المجتمعية اليه كبديل مطروح يسد الفراغ.
اضافة الى هذا، تشير وقائع عدة الى ان الحداثة هي من هزمت الاسلاميين في اكثر من حالة، رغم صعود نجمهم. لقد اضطروا الى التعامل مع الكثير من مفردات الحداثة، بدء بتقنياتها، مرورا باستخدام بعض مفردات خطابها، وانتهاء بتسليمهم بصناديق الاقتراع.
مؤكد ان اغلب التنازلات تقدم بفعل التقية السياسية، وانها تكتيك بانتظار الفرصة. لكن مجرد القبول بشروط لعب جديدة هو خسارة لخطاب يخفونه بستار من سماحة مزعومة. لهذا فأن الحديث عن انتصار الاسلام السياسي على غيره ما زال مبكرا. والاستعجال به وهم صنعه شعور مسبق بان النصر ات، وانه خالد.
قبل سنوات كان الاسلاميون يشتكون من استضعاف الاخرين لهم، اليوم يتحدثون عن الانتصار، فماذا بعد؟
انتظرنا عقودا اجرام الشموليات السابقة وانهيارها، عارضت فحكمت ثم انهارت بعد ان طغت. ولا اظن ان الاسلاميين اعتبروا كثيرا بتلك التجارب. سلوكياتهم وتصوراتهم تشي بانهم لا يختلفون كثيرا عما قاله الاسلام عن اليهود quot;نحن ابناء الله واحباؤهquot;. غير ان سقوط الحضارات وقيام اخرى تدل على ان مقولة المجتمع المصطفى او خطاب quot;خير امةquot; مجرد سوء تقدير. لا احد فوق قوة الزمن. هكذا اراد من خلق قوانين الزمن.