الشقاق هو الوجه الثاني للتفاهم في اتفاق اربيل. بل يمكن التخمين ان المتفاهمين فكر لحظة الامضاء على الطريقة التي يمكن بها استخدامه ضد الاخرين.
ظهر هذا الوجه المفارق في كل مفصل من مفاصل العام والنصف من عمر الحكومة غير المتجانسة. الكل يتحدث عن اتفاق، الفرقاء متشبثون بمجرياته، غير ان الروايات والتفسيرات والرؤى حوله مختلفة. حتى الصحافة العراقية اصبحت مأزومة بسببه، صحيفة الصباح شبه الرسمية تنشر نسخة غير التي نشرتها فيما بعد المدى المعارضة.
في العملية السياسية العلاجات تصنع ازمة، الدستور الذي وضع كسقف للنظام تحول الى ازمة، الانتخابات تصنع ازمات، عقود النفط مأزق، القمة العربية في بغداد نقطة افتراق، العلاقات العراقية مع جيرانه مثار شقاق، الاعلام مأزوم، بقاء القوات الامريكية وانسحابها، المصالحات، المركزية والفدرالية، النواب الجدد والقدماء، التوافق واللا توافق... كلها ازمات. انها عملية الازمة السياسية المفتوحة.
اتفاق اربيل حلقة في سلسلة هذه الازمات المتوالدة. الان اصبحنا نعرف بنوده،. تأخر نشر البنود احدى دلالات المأزق، تحاشى الجميع نشره مبكرا. والاختلافات بين النسختين مؤشر اخر، اتفاق الحل ليس مجمعا على صيغته، وكأننا امام مذاهب لكل منها تفسيره ورأيه.
بموجب الاتفاق المنشور لابد ان تتعرض كل هذه الطبقة السياسية الى مساءلة ينتج عنها انتخابات تطيح بها. تفصيلات الاتفاق تتحدث عن قوانين، هيئات، قرارات، مؤسسات يفترض انها موجودة منذ عام 2006. والحديث عنها الان اعتراف صريح بأنها لم تشكل او تسن. اليس الجميع مسؤولا عن هذا التأخر في بناء الدولة؟.
من بين 16 قانونا نصت عليه الوثيقة لم يشرع سوى قانونين، هيئة النزاهة وحماية الصحفيين، وفي الاخير ملاحظات جمة لم يؤخذ بها. القوانين الاخرى اما طي قراءة اولى متلكئة او في درج خلافات الكتل او في خزينة السلطة التنفيذية تتمنع عن تحويله الى مشروع قانون.
نصف الدورة الانتخابية مرت والمقررات الصادرة عن هذه الوثيقة خاضعة للتفسيرات والخلافات. بعضها حسم بـquot;الشربتةquot;، وبعضها الاخر نسي بالكامل، ومواد اخرى اوراق في مناكفة سياسية متبادلة، وقليل ما يستحق المديح.
استخدمت الوثيقة مفردة quot;التوازنquot;. وهي تكريس، تحت رعاية الدستور، للمحاصصة، مع ان الجميع يتباكى رافضا المحاصصة والتقاسم الطائفي للمناصب. هذا فضلا عن وزارتي الدفاع والداخلية اللتين ما زالتا تحت ادارة رئيس الوزراء، واكثر المعطيات تشير الى انه غير مستعجل على الاتفاق على شخصين يشغلانهما، رغم انه ليس امام الحكومة اكثر من سنتين وفق التوقيت الدستوري.
الاتفاق موقع من قبل الثلاثي (مالكي ـ برزاني ـ علاوي)، بقية الفرقاء السياسيين قادرون على التنصل بسهولة عنه بلا ملامة. كما انه اتفاق زعامات وليس اتفاق كتل، زعامات اخذت العراق لاتون الصراع المشخصن.
علة هذه الازمة المفتوحة ليس عدم الثقة فقط، انما في ان ايقاع الكتل الجاري بحثا عن تقاسم السلطة وليس دفاعا عن حقوق قواعدها الشعبية. اكثر من ذلك، ان الجماعات العراقية خلقت من القضايا الثانوية بالنسبة للشارع اولوية له، انها توهم قواعدها.
اعتاد زعماء العراق توجيه الناخب بعيدا عن اولوياته من كهرباء وماء وخدمات وحريات ومعيشة وصحة وتعليم، ليبحث وراء السياسيين في القضايا المأزومة، بدء بموضوع المقاومة المزعوم مرورا بقصة الدفاع عن البعثثين والتخويف منهم، وقضية التدخلات الاقليمية... واخرها موضوع الهاشمي الذي تبادلت الكتل الادوار فيه لنقله كي يصبح ازمة شارع. الكل يفكر برسم اسمه في ورقة الاقتراع عبر خطاب طائفي، قومي، او خطاب كراهية مأزوم.
وكتلك العادة لم يتضمن اتفاق اربيل شيئا يذكر من الاولويات الملحة لدى الفرد العادي. هو تفاهم قيادات امّنت موقعها الانتخابي وتبحث عن موقعها في السلطة. بمعنى انها انتقلت من مرحلة خداع الناخب الى خداع بعضها البعض.
يستحق المخدوع الهزيمة، المجتمع مسؤول عن خساراته لعجزه عن استخدام حقه الانتخابي في معاقبة خادعيه. الجماعات السياسية المهزومة خسرت في لعبة خديعة ساهمت بوضع شروطها. ومصير المنتصر لا يختلف عن الاخرين في نهاية المطاف.
لا احد ينجو، الخديعة كالحروب لا منتصر فيها.
- آخر تحديث :
التعليقات