تتستر الكثير من الجرائم والشرور ببعض القيم الاجتماعية. في هذه الحالة تبقى مزاعم التسامح الديني مجرد شعارات لا تأثير فيها ولا اثر.
اكثر من ذلك سلب صفة الفعل الاجرامي والشرير عن جرائم وشرور في نظر من يحمل تلك القيم، وتتأسس كعمل خير يفتخر به فاعله، ويصفق له المحيطون به. الكثير من الجرائم السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية تحتمي بقيم ومقولات وشعارات وعقائد.
ذات مرة اغتال تكفيريون زميلا يعمل مصورا لدى محطة غربية، قاتله يرى في الجريمة جهادا. على المقابل وبعد فترة ليست بالطويلة، اخ للضحية يتمنى الموت لمترجمة تعمل لدى مؤسسة غربية لما بلغ مسامعه عنها من تدنيس quot;للشرف مع كافرquot;.
اليس المبدأ واحدا؟. هو واحد، الاختلاف فقط في المساحة المبررة وغير المبررة بين الجهادي التكفيري والكثير من ضحاياه. الضحية ينسى انه يقتل في الكثير من الاحيان بسبب قيم مشوهة يؤمن بها هو ذاته.
في مثال اخر حدثني صديق يعيش في لندن عن ليبين كانوا يتظاهرون ضد القذافي، رافعين شعارات quot;الحريةquot;، وفي الوقت ذاته يحمل عدد منهم صورا لصدام حسين. رفض اولئك للقذافي لم يتحول الى قيمة تجعلهم يرفضون اي طاغية.
متيقن أن اغلب اولئك على الاقل، يعتبرون صدام دكتاتورا ولا ينفون عنه صفة القتل، لكن لديهم خلفياتهم التي تجعلهم ينظرون له بطلا. هو في نظرهم مدافع مزعوم عن quot;العروبةquot; ضد الصليبيين والصفويين. هذه العقلية لا ترفض الطغيان والدكتاتور بشكل مطلق، انما للطاغية احيانا ما يبرر وجوده في نظرها. داخل هذه العقلية يولد الاستبداد.
تفجير برجي التجارة العالمي مثال اخر، صفق له كثير من العرب حينها، وكأنه عمل جهادي بطولي، ونسي الجميع ان منبع هذا السلوك هو استرخاص دم الانسان، ان هذا الفعل لا يختلف كثيرا عما يفعله المحتل بأي شعب.
اليس المقتولون بشر لا ذنب لهم، عزل لا سلاح لديهم؟. وما الفرق بين الضحايا في الاراضي المحتلة والضحايا في برجي التجارة العالمي، وفي اي مكان اخر يقتل فيه انسان اعزل؟. اليست الجريمة واحدة، سواء استهدفت مسيحيا او مسلما او بوذيا او يهوديا او لا دينيا...؟
الجريمة واحدة، والدم المسفوح واحد، والدكتاتورية نفسها، والاعتداء يبقى اعتداء. الفرق في الدرجات، البعض دائرة المسموح لديهم اوسع من الاخر، غير ان الجميع ينتمي لرؤية واحدة. جوهر القيم التي تتحكم بالزرقاوي موجودة في داخل كل فرد فرد من المجتمع اذا لم ينتبه لها ويراجعها. لا فرق في الجوهر بين ثائر يبرر قتل من يختلفون معه وبين أي من الطغاة الموجودين على الارض، الفرق بالدرجة.
المشكلة تكمن في القيم التي تحدد شكل الجريمة، المبررات التي تضفى على فعل شرير وتعطيه سمة الخير، في الاهداف العقائدية والاجتماعية والسياسية التي شوهت الانسان وصنعت منه اداة لها على حساب الدفاع على ابناء نوعه، نظرائه في الخلق.
سيستثني الكثيرون انفسهم من هذه الظواهر، سيصفقون لهذا الكلام، ولكن لو راجع كل منا نفسه لاكتشف في ذاته الطاغية. طاغية مع وقف التنفيذ لعدم سنوح الفرصة.
لهذا فإن الطغيان، الجريمة، الشر لن يزول بمجرد تفكيك بعض النظم. الانظمة القائمة مرتبطة بذهنية اوسع تشرعن الجريمة على انها دفاع عن شرف اسرة، مجتمع، شعب، امة، عقيدة ووطن.
الشر يتلبس بلباس الخير، والجريمة تحتمي بالمجتمعات.. والنهاية متوقعة، مزيد من الشرور والجرائم، الى حين ان يؤمن الفرد بأن حقه في العيش الامن مرتبط بذات الحق لابناء جنسه الاخرين بعيدا عن كل تصنيف وتوصيف.