يتساءل الكاتب علاء الاسواني في مقال كتبه قبل 13 سنة: لماذا لا يثور المصريون؟.
هدر الكرامة هو الدافع وراء طرح هذا السؤال. وكنموذج على الكرامة المهدورة ينقل الروائي المصري حادثة شهدها تمثلت في ضابط انهال بالضرب على سائق سيارة اجرة والناس تتفرج دون ان تستطيع القيام بأي شيء على هذا السلوك الحيواني. يتساءل quot;هل اذعنوا لأنهم جبناء؟. الاجابة بالنفي، انهم فقط يعرفون جيدا معنى ان تتحدى ضابط شرطة في مصر، ضرب وحجز وتلفيق قضايا، وهم فقراء لا يملكون ترف الدخول في معارك رومانسيةquot;.
القارئ العراقي لما كتبه الاسواني يتلمس وطنه في كل ما يقول، الكرامة المهدورة بفعل هيمنة الذهنية الامنية في علاقة السلطة بمجتمعها. مبدأ الطاعة quot;العسكريquot; هو العماد الرئيسي الذي يبني هذه العلاقة.
حل الجيش عام 2003 وانهيار الجهاز الامني انذاك لم يؤد الى تغيير في عقلية ادارة هاتين المؤسستين، ثقافة الهيمنة والتسلط بقيتا عنوان هذه العقلية، ثقافة تصل احيانا الى التعامل مع الناس كأعداء.
قد تكون حالة دكتاتورية صدام غير قابلة للتكرار، لانها شاذة في تاريخ الشعوب ولأن الزمن تغير. غير ان الاوضاع تؤشر الى اخضاع ممنهج وتسلط تمارسهما اجهزة السلطة تحت مسميات عدة، وهي سياسة استبدادية بامتياز. واهم نماذج هذه السياسة تتمثل في الذهنية الامنية التي تسود الشارع وتتحكم به.
لكل عراقي قصة مع سياسة الاخضاع الامنية، الامر لا يقتصر على شريحة بعينها انما يمس الجميع. قبل شهرين تقريبا تعرض صحفيون للاعتداء من قبل الفرقة الخاصة برئاسة الوزراء لالتقاطهم صورا على شاطئ النهر، قيل لهم ان التصوير ممنوع بدون ان يكون هناك اي شارة على المنع. الزملاء الصحفيون يدركون جيدا ان اعتقالهم ممكن جدا، والتهمة ستأتي فيما بعد.
مشهد ثان استاذ جامعي يضرب من قبل مفرزة امنية وتكسر اسنانه وساقه امام الجامعة، وبعد ذلك يعتقل وينكشف ان اعتقاله كان خاطئا، ويطلق سراحه لأن القضية ضده quot;كيديةquot;.
وفي حالة اخرى، استأجرت منذ ايام سيارة اجرة، وفي الطريق تعرضت نقطة تفتيش عسكرية للسائق ضربا وشتما بحجة انه لاسنهم، كل ما فعله هو انه عبر عن استياء من سوء معاملتهم، حتى الاستياء مرفوض. مفرزة مكونة من عشرين ضابطا وشرطيا وعسكريا انشغلت برجل واحد فقط لأنه جادلهم ورفض طريقتهم، تاركة مهمتها في مراقبة الشارع. ولم تكتف بذلك بل توجهوا نحوي لأني طالبتهم باحترامه، فاذا باحدهم يخاطبني quot;انت امام ضابط، احترمه ولا تناقشهquot;. هي علاقة الارباب بالعبيد، العسكري رب والمدني عبد.
حدث رابع شاب يطلب منه شرطي مرور المساعدة في دفع سيارة عاطلة، يرفض الشاب فاذا بالشرطي ومعه اخرون ينهالون ضربا عليه لأنه رفض quot;امرquot; الدولة.
القائمة تطول، والاحداث لا تتوقف ما يبرر السؤال: اذا كانوا امام الناس يقوموا بذلك، كيف سيكون الحال بعيدا عن عيون الشهود؟.
ينتمي مثل هذا السلوك والمنهج لمشهد اوسع يتمثل بجعل المدن ثكنات، يغطيها بلون امني حالك. السلطة يتزعمها ساسة، غير ان العسكر هو صاحب الكلمة الفصل في الشارع. سيقال ان كبار المسؤولين بمن فيهم رئيس الحكومة لم يأمروا بذلك، ربما، الا ان المؤكد ان هناك ارتياحا لذلك، وان الاف الشكاوى لا تجد صدى، لم نسمع بمحاكمة اي من المعتدين رغم كثرة الوعود.
الا يستحق مثل هذا الوضع وقفة، او حراك احتجاجي مضاد؟
منذ عقود كل فرد في العراق مشروع كرامة مهدورة. الماسك بالقوة يرث عن سابقيه الامعان في اهانة الناس والتسلط عليهم. استمرار الحال هكذا يعني الحفاظ على حواضن الجور والظلم والعدوان.
لذلك لابد من وقفة، ضغط، احتجاج. الثورة الحقيقية ليست تلك التي تغير الاسماء والواجهات، القصة اعمق من هذا. تغيير الاسماء ينتمي للصراع على السلطة، سادة الصراع متورطون في تكريس ثنائية quot;ارباب ـ عبيدquot;، وبعضهم متورط باهدار الكرامة وسفك الدماء. الاصرار الواسع على استرجاع الكرامة خيار حصري ووحيد لمواجهة هذه الثنائية. كل الشرائح معنية برفع الصوت عاليا بـquot;لاquot; توقف طغيان العسكر والامن والمليشيات وكل من يبحث عن التسلط.
جميعنا معني بهذه الـ quot;لاquot; اللازم استمرارها لحين ان تأخذ المعادلة شكلها الانساني quot;سلطة امنية تراعي المدنيينquot; بدلا من ان يراعيها المواطن ويتذلل لها. وهذا لن يتحقق اذا لم يعي فاقدوا الكرامة انهم فاقدون لها.
التعليقات