يشير الأمن القومي إلى الإجراءات والسياسات التي تتخذها الدولة لحماية مصالحها الأساسية، بما في ذلك السيادة، وحدة الأرض، استقرار النظام السياسي، والازدهار الاقتصادي. يهدف الأمن القومي إلى ضمان سلامة الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية، سواء كانت عسكرية، اقتصادية، أو سياسية.

أما بالنسبة إلى تركيا، فقد استخدمته كذريعة أو حجة لتبرير سياسات معينة، مثل الحروب العابرة للحدود سواء إلى العراق أو إلى سوريا، بحجة القضاء على حزب العمال الكردستاني الذي تحاربه منذ أربعة عقود ولم تتمكن من التقدم بمناطق سيطرته قيد أنملة، ووحدات حماية الشعب الكردية. كذلك، استخدمت تركيا هذه الذريعة لتبرير توسيع مساحتها السيادية في البحر على حساب سوريا، في وقت تهرول لرسم الحدود البحرية، لكن اليونانيين رفضوا ذلك. يدرك الأتراك يقيناً أنَّ هذه فرصتهم لقضم ما يستطيعون من البحر المتوسط الذي يحوي كميات مهولة من الغاز الطبيعي.

كما استخدمت تركيا الأمن القومي لتبرير قمع المعارضين وتكثيف الحملات ضدهم وزجهم في المعتقلات، خاصة ضد بعض الأحزاب السياسية والشخصيات المؤثرة كصلاح الدين دميرتاش ومنظمة غولن وغيرهم، معتبرة أن هذه الجهات تمثل تهديدًا لاستقرار البلاد.

الحكومة التركية، التي تعتبر محافظة وداعمة لقضايا الأمة الإسلامية، تتناسى ذلك كله عندما يتعلق الأمر بالكرد. على سبيل المثال، إيران لم تطلب من حكومة أفغانستان نزع السلاح من المنطقة بحجة وجود طالبان، التي تختلف مع إيران في الأفكار والأيديولوجية. وهناك أمثلة أخرى كثيرة؛

هل كشمير منزوعة السلاح بين الهند وباكستان بزعم حماية الأمن القومي؟

هل الحدود بين كوريا الشمالية والجنوبية منزوعة السلاح من طرف واحد؟

هل الحدود بين السعودية واليمن منزوعة السلاح مع تهديدات الحوثيين المتكررة؟

هل الحدود بين الصومال وإثيوبيا منزوعة السلاح للقضاء على حركة الشباب؟

هل الحدود بين الجزائر ومالي منزوعة السلاح بسبب المجموعات المسلحة هناك؟

لكن تركيا تطالب بذلك عندما يكون الحاكم كردياً، ما يعكس مرضاً مزمناً يسمى "كوروفوبيا". هذا يدعو للاستغراب، خاصة أن الكرد قدموا تضحيات كبيرة في مواقع عدة، منها معركة جناق قلعة (دردنيل).

عندما سيطر تنظيم داعش على مناطق حدودية واسعة، لم تبدِ تركيا اهتماماً بأمنها القومي، بل سهلت الدعم لهم. كانت تركيا المعبر الوحيد لهم إلى سوريا، ولا تزال علاقتها بجبهة النصرة مثيرة للتساؤلات.

أما تعامل الحكومة السورية مع الأجانب فهو نموذج آخر للكيل بمكيالين. فقد منحت من حاربوا النظام ترقيات عسكرية وجنسية سورية، بينما طلبت من الكرد الذين ساعدوا إخوانهم في سوريا مغادرة البلاد بحجة حوار "سوري - سوري". هذا المطلب يبدو حقاً أُريد به باطل.

النظام الفيدرالي، الذي يعتبر شكلاً من أشكال الحكم المتقدمة والمطبقة في دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وألمانيا، يُصوَّر هنا كأنه تهديد، بينما في الواقع يهدف إلى توزيع السلطة بشكل عادل بين المركز والأقاليم.

على الجانب الآخر، نهبت تركيا معامل حلب، وأعادت تصدير المنتجات بأسمائها الأصلية. اليوم، تسعى لتوسيع رقعتها الجغرافية، مع تصريحات رئيسها التي تشير إلى استعادة حدود الدولة العثمانية.

المفارقة تكمن في أنَّ بعض السوريين لا يزالون يتهمون الكرد بالانفصال، في حين أنَّ النظام الفيدرالي أو اللامركزي لا يعني الانفصال، بل تنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم.

في الختام، يبدو أنَّ تركيا استغلت الأوضاع لتحقيق مكاسب جغرافية وسياسية، في وقت ينشغل فيه العالم عن ممارساتها. قد تظهر النتائج الحقيقية لهذه السياسات بعد عشر سنوات.