يُعتبر مقتل قاسم سليماني في 3 كانون الثاني (يناير) 2020 من أبرز الأحداث السياسية والعسكرية في العقود الأخيرة. سليماني، قائد قوة القدس التابعة لحرس النظام الإيراني، كان أحد أبرز أدوات علي خامنئي لتوسيع نفوذ النظام في المنطقة. عُرف بدوره الكبير في تنفيذ أجندة النظام من خلال دعم الميليشيات المسلحة، وتنظيم حروب بالوكالة، وقمع الانتفاضات الشعبية داخل إيران وخارجها.
مع حلول الذكرى الخامسة لمقتله، تتكشف التداعيات العميقة التي أحدثها هذا الحدث على المستوى الإقليمي والدولي. فقد شكّل مقتله نقطة تحول استراتيجية في الديناميات السياسية والعسكرية، مما أدى إلى تراجع نفوذ النظام الإيراني وإضعاف قبضته على المنطقة.
سليماني كان محور عمليات النظام الخارجية. بصفته قائد قوة القدس، لعب دورًا رئيسيًا في توجيه ودعم مجموعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات العراقية. ساهم في تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا والعراق، مستخدمًا العنف والإرهاب لتحقيق أهداف النظام. كما تورط بشكل مباشر في جرائم عديدة، بما في ذلك الهجمات على معسكرات مجاهدي خلق في أشرف وليبرتي، ما جعله شخصية مكروهة ليس فقط داخل إيران، بل على مستوى المنطقة بأكملها.
ردود الفعل على مقتله جاءت متباينة. الجماعات الموالية للنظام الإيراني رأت في الحدث ضربة لمحور المقاومة الذي تدعيه، بينما اعتبره آخرون فرصة للحد من نفوذ النظام. في العراق وسوريا، رحب العديد من الشباب والشعوب بهذا التطور. وقد أظهرت الاحتفالات الشعبية في بعض المدن حجم الغضب من سياسات سليماني والنظام الإيراني. حتى داخل إيران، عبّر الشعب عن ارتياحه لمقتله، وهو ما تجلى في الاحتفالات التي انتشرت على نطاق واسع.
دوليًا، وُصف استهداف سليماني بأنه ضربة قوية للسياسات التوسعية للنظام الإيراني. وقد أكد ذلك قادة النظام بأنفسهم، حيث أشاروا إلى الخسارة الكبيرة التي يمثلها غياب سليماني. خامنئي وصفه بأنه "شهيد الأمة"، وحاول من خلال الدعاية المكثفة إبراز سليماني كبطل، لكن هذه المحاولات لم تنجح في تغطية الخسارة الاستراتيجية.
إقرأ أيضاً: الإمبراطورية بالأزمات: النظام الإيراني واستراتيجية البقاء
التأثير الأكبر لمقتل سليماني كان على توازن القوى في المنطقة. فقد أضعف قدرة النظام على إدارة عمليات الإرهاب الخارجي. الميليشيات التي كانت تعتمد على توجيهاته أصبحت أقل تنظيمًا وأكثر عرضة للتفكك. في العراق، بدأت بعض الفصائل المسلحة في مراجعة دورها، كما تزايدت الدعوات لتفكيك الحشد الشعبي ودمجه في المؤسسات الوطنية.
في الداخل الإيراني، شكّل مقتل سليماني رمزًا لمقاومة النظام. مجاهدو خلق، كأبرز معارضي النظام، وصفوا الحدث بأنه انتصار للشعوب التي عانت من إرهاب سليماني. زعيم المقاومة مسعود رجوي قال إنَّ "مقتل سليماني يمثل بداية نهاية ولاية الفقيه"، في إشارة إلى التراجع الكبير في النفوذ الإيراني إقليميًا.
إقرأ أيضاً: الهزيمة الاستراتيجية للنظام الإيراني في سوريا
بينما حاول النظام الإيراني التخفيف من آثار مقتل سليماني من خلال تصعيد خطابه العدائي وتحركاته العسكرية، إلا أن التحديات الداخلية والخارجية استمرت في التصاعد. الشباب الإيراني، الذين باتوا أكثر جرأة في معارضة النظام، يرون في هذا الحدث نقطة تحول في مسار نضالهم ضد حكم الملالي.
في الختام، يُمثل مقتل سليماني ليس فقط نهاية شخصية محورية في نظام ولاية الفقيه، بل ضربة استراتيجية جعلت النظام يواجه واقعًا جديدًا من العزلة والتراجع. وبينما يتصاعد الضغط الداخلي والخارجي، تظل ذكرى سليماني شاهدًا على تحولات كبيرة قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في مستقبل المنطقة.
التعليقات