هل الادارة الاميركية جادة في التصدي لظاهرة الارهاب؟ ليس ما يشير الى ذلك، خصوصا بعد الخطيئة الكبرى لادارة جورج بوش الابن التي قرّرت الانتقال الى العراق في السنة 2003 قبل الانتهاء من مهمّة تنظيف افغانستان ومعها باكستان من الارهاب والارهابيين.
هؤلاء الارهابيون صنيعة أو صناعة اميركية، اساسا، وقد استخدموا في الحرب على الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي قبل انقلاب السحر على الساحر الاميركي مطلع القرن الواحد والعشرين. وقعت وقتذاك الاعتداءات الارهابية الني استهدفت واشنطن ونيويورك في ايلول- سبتمبر من العام 2001. تحرّك الاميركيون في اتجاه افغانستان حيث كان اسامة بن لادن وquot;القاعدةquot; وquot;طالبانquot; وما لبثوا أن تحولوا في اتجاه العراق بغية تقديمه على صحن من فضّة الى نظام الايراني الذي لديه حساب قديم مع العراق والعراقيين. هذا لا يعني أن التخلص من نظام صدّام حسين لم يكن ضروريا للعراق والمنطقة، بمقدار ما يعني أن الحرب على العراق جاءت بنتائج عكسية للهدف الاصلي، نظرا الى أنها دعمت الارهاب بدل المساهمة في القضاء عليه.
لم يؤمن النظام الايراني، بدليل ما يفعله في لبنان منذ ثلاثة عقود واكثر، وما يفعله حاليا في سوريا، يوما سوى بممارسة لعبة الارهاب، داخل اراضيه او خارجها، امّا بشكل مباشر او عن طريق النظام السوري الذي تصرّ الادارة الاميركية الحالية على اطالة عمره.
ربّما كان التفسير الوحيد للرغبة الاميركية في اطالة عمر النظام السوري، الرغبة في تفتيت سوريا، أي الكيان السوري الذي نال استقلاله في العام 1946 والذي يتبيّن كلّ يوم أنه في حاجة الى من يوحّده مجددا.
هناك حاليا مكانان تمارس فيهما الادارة الاميركية لعبة مشبوهة تصبّ في نهاية المطاف قي دعم الارهاب والارهابيين.
المكان الاوّل هو سوريا والمكان الآخر هو شمال افريقيا والساحل الصحراوي، بما في ذلك الصحراء الغربية التي هي مغربية.
والمعني بسوريا، البلد نفسه والبلدان المحيطة به، التي عانت طويلا من تصدير النظام السوري للارهاب، اكان ذلك الى لبنان او الاردن او العراق او تركيا. لكلّ بلد من البلدان الاربعة، فضلا عن دول الخليج، في مقدّمها البحرين وحتى السعودية والكويت، قصة طويلة مع الارهاب السوري المصدر الذي يرتدي لبوسا مختلفة. انه فلسطيني احيانا وسنّي متطرف على شكل quot;فتح الاسلامquot; في احيان اخرى... وquot;قاعدةquot; مدعومة مباشرة من الاجهزة السورية في احيان كثيرة. ولا شكّ أن العراق خير شاهد على ذلك، قبل تحوّل حكومته الى داعم للنظام السوري بفعل ضغوط ايرانية، عائدة الى اسباب واعتبارات مذهبية، لم تعد تخفى على احد.
من يطيل الحرب الدائرة في سوريا عن طريق رفض مساعدة الشعب السوري وquot;الجيش الحرّquot; يستهدف في الواقع سوريا ووحدة اراضيها. كلّما طالت الازمة السورية، طالت معها احتمالات صعود التنظيمات المتطرفة مثل quot;جبهة النصرةquot; على حساب القوى المعتدلة التي تؤمن بالدولة السورية الموحدة وباحتمال اقامة نظام جديد على اسس ديموقراطية. هذا كلّ ما في الامر. الى الآن، اختارت الادارة الاميركية اطالة الحرب الدائرة على الارض السورية. من الواضح أنّ كل ما تريده تنفيذ الرغبة الايرانية- الاسرائيلية الهادفة الى نشوء كيانات سورية في تناحر مستمر في ما بينها لاسباب مذهبية اوّلا.
أما في المكان الآخر الذي تؤكد فيه الادارة الاميركية أنّها بعيدة كلّ البعد عن محاربة الارهاب، فهو شمال افريقيا والساحل الصحراوي. من يسعى بالفعل الى محاربة الارهاب في تلك المنطقة لا يعادي المغرب الذي لم يتردد يوما في التصدي لهذه الظاهرة. من يريد حقّا التصدي لهذه الظاهرة لا يشجع الاداة الجزائرية المسماة جبهة quot;بوليساريوquot; على التمادي في ابتزاز المغرب عن طريق تغيير طبيعة مهمة القوة الدولية المكلفة مراقبة وقف النار في الصحراء الغربية (مينورسو). على العكس من ذلك، يفترض في الادارة الاميركية تسمية الاشياء باسمائها. وهذا يفترض أوّل ما يفترض الاعتراف بأن قضية الصحراء الغربية هي بين المغرب والجزائر التي تطمح الى اقامة دولة تدور في فلكها على جزء لا يتجزّأ من الارض المغربية. تؤمن هذه quot;الدولة المسخquot; للجزائر أن تصبح مطلة على المحيط الاطلسي...تماما كما حال المغرب.
حسنا فعل المغرب عندما أجّل المناورات العسكرية المشتركة التي كان مقررا ان تجري قريبا مع الولايات المتحدة على ساحل الاطلسي فوق المحافظات الصحراوية. تبيّن أن واشنطن تريد استرضاء داعمي الارهاب وليس محاربتهم عن طريق الاساءة الى المغرب من جهة وعرقلة التوصل الى حلّ واقعي في الصحراء الغربية يأخذ في الاعتبار مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحته الرباط بصفة كونه اللعبة الوحيدة في المدينة.
تتحدث الادارة الاميركية عن حقوق الانسان في الصحراء وتمكين quot;مينورسوquot; من مراقبة تطبيق هذه الحقوق في الصحراء في وقت لا يختلف اثنان على أن كل مواطن في الصحراء يتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطن المغربي. هل من شكوى في المغرب من ممارسات تتنافى مع حق ممارسة المواطن للحريات العامة التي يكفلها الدستور؟
لو كانت الولايات المتحدة جادّة لسارعت الى المطالبة بلجنة مراقبة لحقوق الانسان في تندوف الجزائرية حيث اقامت جبهة quot;بوليساريوquot;، بدعم جزائري، معتقلات للصحراويين. ولو كانت جادّة في حربها على الارهاب، لكانت اعترفت بأنّ quot;بوليساريوquot; باتت مخترقة من المنظمات الارهابية التي تمارس كل صنوف التهريب في الساحل الصحراوي وصولا الى مالي حيث تخوض فرنسا حربا حقيقية على الارهاب.
من الواضح أنّ القيمين على السياسة الاميركية في مجال مكافحة الارهاب لا يعرفون الكثير عن هذه الظاهرة ومن يشجّعها ومن يموّلها ومن يدعم انتشارها. افضل دليل على ذلك، ما نشهده في سوريا وما نشهده من ممارسات مسيئة لمصالح المغرب، فضلا عن غياب النظرة الشاملة الى ما يدور في منطقة شمال افريقيا والساحل الصحراوي. فالحرب على الارهاب اما يشارك فيها الجميع واما لا حرب حقيقية على هذه الظاهرة. بكلام اوضح، لا يمكن أن تكون هناك حرب على الارهاب، فيما هناك تبن جزائري لـquot;بوليساريوquot; من اجل ابتزاز المغرب لا اكثر ولا أقلّ.
من يستعرض ما تقوم به الولايات المتحدة في سوريا وشمال افريقيا، لا يعود لديه ما يقوله غير quot;حمى الله اصدقاء اميركا...من سياسة اميركاquot;.
التعليقات