تدفع الأحداث الجارية في مصر منذ يوم الأحد 30 جوان 2013، في اتجاه القول بأن الثورة المصرية في طريقها إلى تصحيح مسارها و استكمال مشروعها، إذ توصّل ملايين المصريين إلى قناعة كاملة بأن ثورتهم سرقت من شبابها الذين عمّدوها خلال ثمانية عشرة يوما بدمائهم الزكيّة، و جرى لاحقا اختطافها على أيدي جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; و تحويل وجهتها و اغتصابها و تشويه وجهها و استغلالها لغير ما ولدت لأجله.
لقد اكتشف المصريون خلال أشهر قليلة حقيقة جماعة الإخوان المسلمين، التي لم تفعل شيئا غير استغلال الفراغ السياسي و الحزبي الذي تركه النظام الاستبدادي السابق، الذي أضعفت سياساته التيارات المدنية و الديمقراطية، و أفسحت المجال أمام الجماعات الدينية لتبقى منظّمة و فاعلة، فقد حافظ quot;الإخوانquot; بمفردهم على quot;ماكينةquot; انتخابية مدرّبة، وظّفوها بشكل جيّد في غفلة من شعبهم و قواه الثورية الحقيقية، لكن زيف ادعاءاتهم و خطابهم و ازدواجية أجندتهم سرعان ما فضحتها تجربة الحكم و الممارسة.
لقد بدأت علاقة الإخوان بالثورة مريبة، إذ كانوا يفاوضون النظام السابق في سرّية، و لم يلتحقوا بالجموع المطالبة برحيل مبارك إلا لما تأكدوا أن الثورة في طريقها إلى الانتصار، فلمّا انتصرت و اعتلوا سدة الحكم بدأوا سريعا بتزوير التاريخ، و أصبحوا بحسب مزاعمهم في مقدمة الثوّار، بل جعلوا عمر المسار الثوري قرابة الثمانين عاما، أي منذ أسسّ الشيخ البنّا جماعتهم في 1928، و روّجوا إلى أن ما تعرّضوا له من قمع و منع على أيدي الأنظمة السابقة لم يكن إلا مراكمة للحسّ ثوري و تمهيدا لمظاهرات 25 يناير 2011.
خلال السنة التي حكم فيها محمد مرسي مصر، تجلّى للمصريين أن رئيسهم ليس سوى مجرّد تابع لمرشد الجماعة، وأن الجماعة لا تنظر إلى الدولة المصرية سوى كونها quot;غنيمةquot; منّ الله بها على عباده المؤمنين الذين مكّنهم في الأرض، إذ سرعان ما خططوا و بدأوا في توزيع حصصها على الإخوة و الأحبة و الخلاّن و الموالين و الأتباع و المنافقين، و ما فعله مبارك و جماعته في ثلاثين عاما بدا أن مرسي و جماعته سيفعلونه في ثلاثين شهرا فقط.
لم يجد المصريون خلال أشهر حكم الإخوان أي ملمح للقيم الإسلامية التي ظنّوا أن الإسلاميين سينتصرون لها. لم يجدوا بينهم شبيها لعمر بن الخطّاب أو علي بن أبي طالب أو عمر بن عبد العزيز (رض)، بل وجدوا خيرت الشاطر و حسن مالك و فلان و علاّن و أنواع من الإخوان ملهوفة على المناصب و المواقع و مغانم الدنيا الفانية أكثر من أزلام النظام السابق، و فوق الحسبة جاءوا للنّاس بأنواع الكوارث جميعها، انعدام الأمن و غلاء الأسعار و فقدان المواد الأساسية للمعيشة و آخرها الغاز و quot;السولارquot; (نوع ردئ من المحروقات).
و بدأ سحل المواطنين بعضهم لبعض في عهد مرسي الزاهر هذا، ففي البداية بدأت موجات التحريض ضد الأقباط المسيحيين، بعد أن عرفت مصر لقرون باتحاد الهلال مع الصليب، ثم وصل الأمر إلى الشيعة الذين لا يشكّلون سوى بضعة آلاف في بلد قارب تعداد سكّانه التسعين مليونا، إذ قتل أربعة من أبناء هذه الأقلية سحلا في شوارع إحدى القرى، و من يومها طفت على وجوه المصريين مظاهر الرعب و حلّقت فوق سماء المحروسة غربان سود تنذر بالحرب الأهلية، و أضحى حكم طائفة الإخوان لدى الغالبية حقيقة ثابتة مروية.
و قد بلغ اليقين ذروته عندما صرّح القيادي الإخواني السابق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، يومين فقط قبل اندلاع الحركة التصحيحية، بأن الرئيس مرسي يحكم مصر كما لو أنه يحكم الجماعة، و أن آخر هموم الجماعة الديمقراطية، فأهل الثقة، أي الولاء، مقدّمون على أهل الكفاءة، و أهل الكفاءة لدى الجماعة قلّة قليلة و تلك مفاجأة أخرى لم تكن الجماهير المصرية تتوقعها.
لقد انتهى زمن الإخوان سريعا في مصر، و سينتهي بعدها في تونس لا محالة، و كأن القدر حكم بأن تردّ مصر لتونس الدين الذي في رقبتها، فالمصريون لم ينسوا أنه لو لا قدرة التونسيين على خلع الرئيس بن علي ما خلعوا هم مبارك، و ها أن التونسيين سيعلمون أن ثورتهم لم تستكمل رحلتها بعد، و أن عليهم أن يتلقّفوا الكرة من المصريين، الذين أعلنوا أن الثورة لحظة تقدّمية لا يمكن السماح بتحويلها للحظة رجعية ظلامية، و أن الثورة جاءت لتجعل من الدولة الوطنية مدنية ديمقراطية لا أن تحوّلها لدولة طائفة بعينها، تقسّم الشعب الموحّد و تستعدي بعضه على بعض.
لقد وقف المصريون و التونسيون معا على صلف و عنجهيّة و غرور و عناد هذه الطائفة، و على منطقها الأعوج الأعور في النظر إلى الدولة الوطنية و رموزها و في اعتبار الانتخابات الآلية الوحيدة لبيان الشرعية الشعبية، و كأن بن علي أو مبارك قد سقطا جرّاء عملية انتخابية، غير أن الشعبين التونسي و المصري قد توصّلا منذ 17 ديسمبر 2010 إلى اختراع آلية جديدة في التاريخ اسمها quot;Deacute;gagequot; أو ارحل، و هي آلية صالحة لكل من ستحدّثه نفسه بسرقة ثورة أو بناء استبداد أو الاستخفاف بإرادة شعب.
لقد كره المصريون و التونسيون حكم الإخوان، لأنه حكم طائفي لاوطني رجعي مضرّ بالدين و الدولة، و هم مصممّون على إنهائه، متمنّين أن يكون ذلك بأقل كلفة في الدم الحرام و القدرة، و لعلّ العناية الإلهية ستحقق لهم مرادهم، و سيستجيب القدر سريعا لإرادتهم.
التعليقات