منذ أوائل الثمانينات عندما حضرت افتتاح جامعة الخليج في البحرين حيث كانت هناك نخبة من المفكرين والمثقفين من بينهم الدكتور راشد المبارك، دارت بيننا حوارات، وعندما كنت أشاهد حرب الشوارع في القاهرة ليلة البارحة وصباح هذا اليوم، وأنتقل بالتلفاز الى سوريا ثم ليبيا فتونس فالعراق والبحرين واليمن، هذه الدول أتحدث بلا حرج عما يجري فيها من مآسٍ وكوارث، ولكن القلق النفسي والتدمير الوجداني للانسان العربي من الحدود الى الحدود هو الأكثر هيمنة في الساحة الراهنة، ولأضرب لكم مثلاً بسيطاً عما يجري في مصر من فتاوى وصيحات على لسان قادة الاخوان المسلمين:
السيسي كافر وخارج من ملة الاسلام!!.. البرادعي ليس سنياً وإنما هو شيعي وزوجته شيعية!!.. ndash; وكأن الشيعي صهيوني -.. صوت يكاد يشبه صوت الحجاج يصرخ: (أرى رؤوساً أينعت، وحان قطافها، وإنّا لقاطفيها )!!.. عندما تُنفذ طلباتنا ويعود مرسي لكرسي الحكم سوف تتوقف الهجمات على الجيش المصري في سيناء!!.. طز في الشعب المصري!!.. سنجعل الدم يسير في شوارع القاهرة الى الركب!!..
فعلاً فحرب الشوارع في القاهرة تسيل فيها الدماء وما هذا الذي يجري في عاصمة العروبة إلا بداية لا يعلم نهايتها إلا الله.. الخ.. الخ.. الخ..
* * *
bull; أعود الى الحوار الذي ذكرتني به الومضات التي جئت عليها مع الدكتور راشد المبارك عام 1981.
* * *
bull; يطرح الدكتور راشد المبارك أسئلته قائلاً:
quot; ليست هذه السطور إتهاماً ولا هجاءاً لصانعي الواقع العربي - وكل فرد من هذه الأمة مشارك في صنع هذا الواقع على معنى من المعاني وعلى درجة من الدرجات - ولكنها شيء من الحيرة والتساؤل للباحث عن تحليل ما نعيشه وتعليله!!.. إنها قراءة في النفس العربية، والواقع العربي.. محاولة لفهم طلاسم هذا السفر ورموزه وألغازه التي بلغت حد الإعجاز!!.
كيف حدث أن توالت على أمة ذات تاريخ عميق، ومساحة من الأرض مترامية، وعدد من الأنفس لا يشتكي معه قلة، وسعة من الثراء هي محل حسد الآخرين، هذه الظروف الصانعة لأقسى الأحزان وأدومها!!؟
كيف، ولماذا جئنا وجاءت ظروفنا غير مفهومة ولا مستساغة لما تزدحم به من خمود النخوة، وتبلد الإحساس؟!!
هل أصبنا بذلك؟ أم جئنا كذلك؟.. هل نحن نتيجة لهذه الظروف؟.. أم سبب لها؟!.. هل السبب فيما نعاني جزء من الذات؟!.. أم خارج عنها؟!.. هل يمكن أن تسمح طاقة متوهجة بتراكم الظلام؟!.. هل تؤدي الطاقة الجديدة إلى ظروف وممارسات رديئة؟!.. هل يمكن أن نهجو ونخجل من ظروفنا؟!.. أم من الجائز أن تخجل ظروفنا منا؟!.. لأننا لم نعاني ولم نشعر - أحياناً - بما نضب في داخلنا من فردية المشاعر والوجدان؟!!
لماذا كان ثكل الأمم الأخرى وفواجعها تفجيراً لكل كوامنها من توهج وطاقات، فتجيء فواجعها لتصوغها صياغة جديدة فيها بسالة، وتحضر، وإبداع؟!.. وتجئ فواجعنا مؤصلة - وأخشى أن تكون مخلدة - للكثير من أدائنا التي منها القطيعة والتبدد والشتات؟!.
ما أشد وحشة من يقدر له أو يحكم عليه بمعاناة التفسير والتحديق فيما يحدث في العالم العربي.. وما أقسى ديمومة صحبته للأحزان!!..
* * *
bull; أكتفي بهذا القدر من تساؤلات كثيرة للدكتور راشد المبارك والتي طرحها في البحرين في أوائل الثمانينات لأقول له:
لقد أجابك على تساؤلاتك بشار الأسد، يوم أصدر أوامره لطائراته، وأرسل صواريخه كي تفتك بالشعب السوري، يوم جعل من أول مدينة عرفتها البشرية، تعيش أحط مرحلة في تاريخها!!.. أما الذين فاتهم أن يجيبوك بما فعلوه بشعوبهم، مثل مبارك، وعلي عبدالله صالح، والقذافي، وابن علي، فقد أجابتك على تساؤلاتك شعوبهم، التي لازالت تعاني من ويلات ما تركوه لهم من تبعات كارثية!!..
وفي النهاية تبقى تساؤلاتك مشروعة الى أن تتم الاجابة عليها كاملة.. متى.. وكيف؟!!.. فإن التيارات المتشحة برداء الاسلام تجيبك بما تفعله في مصر وتونس وليبيا والعراق وغيرها، ناهيك عما تقوم به المنظمات الارهابية المتخذة من الاسلام شعاراً لها في هجماتها في قتل وترويع الآمنين من البشر!!.. أما الأسباب المفجرة لكل هذا الذي يجري في بلادنا أقصد اسرائيل ومن صنعوا اسرائيل فإنهم يغذون الكراهية والبغضاء والطائفية، ناهيك عن تزويد من يقاتلون بالسلاح لكل الأطراف التي تعمل على تدمير هذا الوطن من أجل أن تعيش اسرائيل، والأغبياء من أبناء النكبة لازالوا يتراكضون وراء سراب المفاوضات التي يتحدثون عنها الآن!!.. وكل هذا في واد وقطر العظمى في وادٍ آخر!!..