يتعرض الشعب العراقي الأعزل إلى عملية إبادة جماعية منهجية، لا تفرق بين طفل وشيخ وامرأة وسوق شعبي ومدرسة ومستشفى ودائرة حكومية أو صناعية، وكراج سيارات وهلم جرا. حتى المستشفيات باتت هدفا لسفك دماء الأبرياء، خلافا لكل مبادئ الأخلاق والأعراف الدولية التي تبتعد أثناء الصراعات والحروب عن إلحاق الأذى بالمستشفيات والعاملين فيها. يتذكر العراقيون جميعا ما حل ببلادهم من خراب في السنوات الماضية، إذ كاد القتل على الهوية يفتت البلاد في الفترة ما بين 2005-2007 ، ولولا صبر العراقيين، وشعورهم بالخطر، بعد سيادة قوى الظلام متمثلة بالقوى الإرهابية، والميليشيات المسلحة.


1.الحكومة العراقية
قبل فترة شرعت الحكومة بعملية واسعة لملاحقة المجاميع الإرهابية. ويبدو للوهلة الأولى أن الحكومة العراقية قد استيقظت للتو من سباتها، لتعلن البدء بملاحقة الإرهابيين في عموم البلاد، تحت عنوان مثير quot;ثأر الشهداءquot; فيه من الشجون والانفعال بقدر ما فيه من التصميم الظاهري على الأقل على القصاص من المجرمين. عموما، لا نظن أن الحكومة كانت نائمة تماما ولم تفعل شيئا، قبل ذلك، لكننا نفترض أن الصراعات الشديدة بين المكونات التي تنضوي داخلها، عمل ويعمل على شلل قراراتها، رغم أنها غير كفوءة بما يكفي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. أرى أن الحكومة رغم تأخرها في معالجة الأمور وتحفظنا على عجزها في أمور كثيرة، إلا أنها بقرارها الأخير ربما تكون قد فعلت خيرا. تتمثل خطة الحكومة في محورين: الأول، القيام بعملية واسعة لملاحقة قوى الإرهاب، والثانية أن خطتها تغطي مناطق واسعة وساخنة في عموم البلاد في آن واحد. فإلى اي مدى يا ترى ستحظى هذه العمليات بمباركة ومساندة المواطنين؟ رغم ذلك، ثمة سؤال مهم، يكرره المواطنون المنذهلون بسبب حجم وهول أعمال القتل، هو: أين كانت هذه الحكومة من هذه الأحداث الجسام المأساوية وسواها من قبل؟ ولماذا جاءت ردود فعل القوى السياسية في الحكومة والبرلمان وخارجهما متناقضة وباهتة وكأن ما يحدث هو مجرد حصاد لما زرعته الحكومة التي يقودها شخص واحد quot;متجبرquot;. وبعد إزاحته سيعم الخير والرفاهية والأمان والاستقرار في البلاد. يا لها من سذاجة وغفلة ولربما هي نوع من خبث ودهاء الخصوم!
على أن هذه الأسئلة وسواها لن تحل المشكلة. ولكي تأتي العملية أكلها وتجلب بعض الحصاد، يكون على الجهات المسئولة أن تثبت مصداقيتها أمام الرأي العام، من خلال بسط الأمن في بغداد العاصمة قبل سواها. وفي حال تعذرت السيطرة على مدينة كبغداد وضبطها، فحينئذ قد تُجبر الحكومة على إعلان حالة الطوارئ في المناطق الساخنة للاستفادة منه في ملاحقة الإرهابيين وتدمير حواضنهم ومموليهم. لكن، هل لدى الحكومة الحالية الحق في إعلان حالة الطوارئ بدون موافقة البرلمان الذي لن يمنحها مثل هذا التخويل في وضعه الراهن؟ ومن أجل أن يكون لهذه العمليات احترام بين المواطنين، ورهبة في صفوف القتلة، لا بد من تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم بحق المذنبين، بدون تسويف ولا لفّ أو دوران. كما ينبغي قراءة واقع المنطقة، والاصطفافات السياسية والطائفية، وكذلك التحولات المتلاحقة فيها، والحذر من الفخاخ المنصوبة للعملية السياسية في الداخل.

2.التنظيمات والأحزاب السياسية والدينية

إن ما يجري من قتل منظم-مع سبق الإصرار والترصد (برعاية وتمويل وإشراف قوى داخلية-عراقية، وأخرى خارجية، خصوصا الإقليمية منها، وعلى وجه الخصوص بعض دول الجوار)، تحت ذريعة quot;إسقاط المالكيquot; وما شابه ذلك، لم تعدْ هذه الحجة-الحجج تنطلي على أحد، لأن الطريق إلى المالكي وإزاحته مغايرة لما يتبعون ويتحدثون عنه. وسنسهل عليهم الوصول إلى تحقيق ذلك عبر وسيلتين هما: البرلمان، أو صناديق الاقتراع. وعليه نرى، بأن المقصود من كل هذه الجرائم والمساس بأمن المواطنين وهيبة الدولة والحملات الإعلامية الرخيصة، واصطناع الخصومات، هو خلق حالة من الإحباط واليأس والفوضى والشعور بعجر جميع مؤسسات الدولة وأجهزة السلطة عن معالجة الأحداث الجارية، حتى يسهل الإجهاز على العملية السياسية برمتها. وحينئذ لن يكون هناك بإمكان أحد أن يقول خلافا لما يُراد منه أن يقول، نظرا لأن الذي سيأتي عن طريق العنف سيستخدمه بضراوة ضد مناوئيه وبدون أدنى تردد أو حياء أو خوف من هذا الطرف أو ذاك.
ومن هنا نرى، بأن من يُطبّل للطائفية ويؤجج الفتن والنزاعات تحت مسميات مختلفة، من على المنابر، وفي بعض وسائل الإعلام المحلية والخارجية، عمليا هو من يحرض على الإرهاب والقتل والدمار ويدعم ممارسات متبنيها، فلذا ينبغي فضح هؤلاء إعلاميا، وتقديمهم للمحاكم المختصة.
الأمر الآخر، من غير الممكن والمنطقي النظر لداعمي الإرهاب على أنهم فقط من طرف أو جماعة متجانسة واحدة، حتى لو بدت هذه الرؤية للوهلة الأولى، مقبولة على عواهنها. آن الأوان للالتفات إلى من يدعم الإرهاب ويخلق الفتن والتحريض الطائفي، في مناطق ومكونات أخرى من البلاد، بمعنى، أن الإرهاب منتشر في عموم البلاد، رغم الفكرة القائلة، بانحداره من منبع واحد. هناك قوى عراقية متناقضة فيما بينها لكن لها مشتركات آنية تجمعها وتربطها كذلك بأجندات خارجية هي الأخرى متناقضة في النظر إلى مصالحها في العراق، وأسلوب العمل للحفاظ عليها.
إذن، قد تلتقي أحيانا، مصالح القوى المتناقضة، فكريا ومنهجيا وأيديولوجيا مع بعض، بُغية تحقيق هدف(أهداف) معينة.

ما نود ذكره في ختام هذه المقالة الموجزة هو، أن القضاء على الإرهاب لا يتم عبر الطرق العسكرية واستخدام القوة وحسب، بل ينبغي تجفيف منابع الإرهاب وتدمير حواضنه، وتطهير الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش، من المندسين، وعديمي الكفاءة، ومن الفاسدين الذين يتعاونون مع قوى الإرهاب وحواضنها سرّا. والسعي الجدي والحثيث لإعادة تشكيل جيش وطني مهني، وشرطة وطنية، خارج نطاق العشيرة والمذهب والطائفة والسياسة، بالاستناد على مبدأ الولاء للوطن. يجب الإبقاء على حيادية وعدم تدخل تلك الأجهزة والمؤسسات العسكرية بالسياسة مطلقا.
عليه، فالانتصار على الإرهاب ومساعي تفتيت الدولة لابد وأن يقترن بالحرص المتزايد والملموس على حل مشاكل الناس بدون تمييز، والسعي لمحاورة الآخر المختلف لصياغة من أجل إيجاد قواسم مشتركة بين القوى المعتدلة في البلاد، ورسم برنامج وطني شامل، يقوم على أسس ومعايير من بينها: حق الجميع في العمل والعيش الكريم دون تمييز، والاعتماد على الناس الأكفاء في إدارة الدولة، ونبذ الطائفية والمحاصصة، وتحريم وتجريم الفكر الشوفيني والطائفي، والابتعاد عن نهج التسلط على رقاب الآخرين، واحترام حقوق الإنسان، وقناعات المواطن بدون إكراه. إذا لم يتم معالجة تلك الأمور المفصلية سريعا، ستسوء الأوضاع، وسيتعرض مصير الدولة العراقية لخطر التفتيت فالفناء، ولربما سيلجأ المواطنون، في أثناء ذلك، إلى المظاهرات والمطالبة بحل الحكومة والبرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة.