ما هي الخطوة القادمة في الملف السوري بعد الإعلان عن صفقة الكيماوي؟، إلى أين ستذهب الأزمة، وهل ثمة تفاصيل لم يحن الوقت بعد للإفراج عنها!، ماذا بعد؟. هل نحن بصدد إحداث تغيير جذري على مستوى نظام الحكم في سورية، أم أن تتجه إلى إحداث في تركيبة الدولة السورية ذاتها؟.
ثمة تسريبات بدأت تصدر عن بعض المراكز الإقليمية والدولية تفيد بأن اتفاق تسليم السلاح الكيماوي السوري ماهو إلا رأس الرمح في صفقة أكبر وأشمل جرى الاتفاق عليها بين القوى الغربية وروسيا وبعلم بعض الأطراف الإقليمية تقضي تلك الصفقة بأن يتم تأمين السلاح الكيماوي وترتيب اتفاق لتسليم السلطة عبر انتخابات يتم تقديم أجلها إلى نهاية العام الحالي بدلأ من صيف 2014 .
لا شك بأن أي اتفاق ينطوي على إمكانية لحل الأزمة في سورية سيكون تطوراً إيجابياً بهذا الخصوص، إذ أن الأزمة فاضت لدرجة صارت هناك صعوبات بالغة في التعامل مع إفرازاتها السيئة التي صارت مجهولة المألات، وخاصة على الصعيد الإنساني، أو لجهة إمكانية انتقال حال عدم الاستقرار إلى كامل المنطقة التي تعاني أصلاً من مشاكل عدم الاستقرار.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذه المعادلة هو كيف يمكن تطبيق مثل هذا الأمر ؟، وما هي الضمانات اللازمة لإنجازه؟، إذا أردنا الوصول إلى أجوبة معقولة ومنطقية فإن ذلك يتطلب مناقشة موضوعية بعيدة عن نوازعنا وتوجهاتنا السياسية، ذلك أننا في الحالة السورية أمام بلد نثرت فيه المشاكل كالفطر، إذ أنه على مدار ثلاثين شهراً من الأزمة تخلقت على سطح المشهد السوري العديد من الإشكاليات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وقد استطاع نظام حكم بشار الأسد زرع الكثير من الفخاخ في طريق سورية المستقبلية بحيث صار يحتاج نزع هذه الفخاخ إلى خرائط وتقنيات متعددة قد يصعب توفرها في حالة بلد خارج من حرب كارثية.
من النواحي الإجرائية والقانونية، يتطلب تطبيق مثل هذا الأمر استحداث مجلس وصاية من بعض الدول الإقليمية والكبرى للإشراف على تنفيذ مندرجات الاتفاق المشار إليه ولإحداث الترتيبات الموازية من أجل توطين هذا الاتفاق في سياق البنى السياسية والاجتماعية السورية، فالموضوع أعقد بكثير من التصورات والبسيطة التي يتيحها المشهد حتى اللحظة، ونحن أمام تطور نوعي ينطوي على وضع القيادة السورية، وخاصة القلب منها، تحت التشريح، ذلك أن السلاح الكيماوي وإدارة ملفه في هيكلية صنع القرار السوري تشكل بنية لا يمكن سلخها عن بنية النظام، والولوج في هذا الملف يعني العبث في بنية النظام السياسي بكامله، كما انه يشكل مدخلاً للولوج في البنية التسليحية والعسكرية للنظام برمتها نظراً لوجود حالة من التغذية بين مختلف المراتب على الصعيدين السياسي والعسكري.
لا يختلف الأمر كثيراً في المستويات الأخرى، وخاصة المستوى الاجتماعي، إذ أن الأزمة أحدثت انقسامات مجتمعية خطيرة ضربت بعنف البنى الاجتماعية السورية، ولم يبقى مكون واحد بعيداً عن أثارها السلبية، وذلك نتيجة انخراط هذه المكونات بالأزمة، الأمر الذي نتج عنه تمزيق النسيج الوطني السوري، وبات الأمر يتطلب جهوداً مضنية من أجل إعادة تخليق مجال وطني مناسب للعيش المشترك بين هذه المكونات. ومن المعروف أنه وفي خلال الازمة طورت هذه المكونات ومرجعياتها السياسية قنوات تواصل مع قوى خارجية لدرجة تؤهل هذه القوى لأن تصبح شريكاً ومفاوضاً ينوب عن هذه المكونات، فإذا المكون السني يرى في السعودية وتركيا وقطر حلفاء طبيعيين يمكن الوثوق بهم في أي تسوية سياسية مستقبلية، فإن العلويين والمسيحيين يثقون بروسيا وإيران ولايرون أطرافاً أفضل من هاتين الدولتين تضمن حقوقهما.
إضافة لما سبق، فإن سورية المدمرة بناها الاقتصادية والإنتاجية، لا يمكنها العودة إلى حياة طبيعية بدون وجود تعاون دولي وإقليمي في هذا المجال يتكفّل إعادة إعماؤها، وهو الأمر الذي لا يستطيع ضمانه طرف واحد، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم.
سورية امام مرحلة جديدة ومختلفة، مرحلة تدخل فيها البلاد إلى غرفة الرقابة الصحية الكاملة من أجل إنقاذ ما تأخر إنقاذه او ما يمكن إنقاذه، والطبيب هنا مجموعة من القوى الإقليمية والدولية، ونجاح العملية يتطلب إستمرار حالة التوافق بين هذه القوى، وكذلك الإستناد إلى صيغ منطقية ومعقولة....فهل تتعافى البلاد وتخرج سالمة من غرفة العناية تلك؟.