ها هي عصابة الأسد تتجاوز كل الخطوط الحمر، وها هي غوطة دمشق تحترق بنيران الكيماوي الذي عصفها ليلاً والناس نيام، ولن يمضي وقت طويل، وأمام هول المجازر القادمة، وينسى العالم ما جرى في غوطة دمشق.
ثمة غرابة مبالغ فيها، في حالة سورية، الشعب والبلد، فنحن أمام نظام يرتهن ملايين البشر تحت خطر إبادتهم بالأسلحة المحرمة، وغير المحرمة؟، مقابل صمت العالم وانتظار التحرك بعد وقوع الفاجعة!.
لم يترك النظام مؤشراً واحداً على نيته بالذهاب إلى جريمة كبرى إلا وأظهره، بات يرتكب المجازر بشكل يومي، وصارت هذه الأخيرة، ليس فقط تحت سقف خطوط العالم الحمراء، وإنما أيضاً تحت سقف مشاعره الأدمية بكثير. ما يحصل في بانياس والقصير من مذابح، ويجري في ريف دمشق، هي محطات في الطريق إلى الفعل الأكبر، إنجاز المذبحة.
بنية المذبحة، وأدوات تنفيذها، باتت جاهزة من الناحية العملية، المعلومات بهذا الخصوص تؤكد بأن النظام وزع على قيادات الأمن والجيش المقربين والموثوق بهم من قبله، والأهم أولئك المتورطين معه والمستعدين للذهاب إلى أبعد الحدود، أسلحة كيماوية في العاصمة وخارجها، كما أن هؤلاء القادة يملكون حرية التصرف وفق تقديرهم الذاتي للأخطار التي يواجهونها، وفي الزمان والمكان الذين يرتئونه مناسباً.
واليوم يعمل النظام على إستعمال السلاح الكيماوي بشكل موضعي وانتقائي، ولكن وفق منهجية متواترة ومدروسة، الغرض منها، إضافة إلى وظيفتها الردعية والفتاكة، إحلال الكيماوي كسلاح مقبول ومباح في سياق الحرب التي يشنها ضد معارضيه، بمعنى أخر يعمل النظام على تجريب هذا السلاح على جسد السوريين ولمعرفة طبيعة الإستجابة الدولية تجاهه، إستخدام مزدوج لتركيبة من الغازات الكيماوية، كما جرى في خان العسل والعتيبة وداريا وسراقب.
ولا تكمن الخطورة هنا في غض الطرف الدولي عن هذه الممارسة وحسب، لكن تطورات الحدث وإحتمال إنهيار الجبهات، أو حصول تطور مفاجئ، كلها عوامل قد تؤدي إلى حالة هياج كبرى من شأنها أن تربك أصحاب القرار في إستخدام هذه الأسلحة، المشكوك أصلاً في عقلانيتهم ورشدهم.
وهكذا، وعلى وقع العجز والإرتباك الدوليين، تسير سورية على درب الموت وفق متوالية طردية لا نهاية لها، قتل عشرات الآلاف وإخفاء مثلهم وتهجير الملايين، كل ذلك لم يجري بين يوم وليلة، بل جرى وفق سياق عملية متكاملة كان العالم يتابع مجرياتها لحظة بلحظة، ورغم ذلك وصلنا إلى هذا الحد، وعلى ذات المنوال يجري إستخدام الكيماوي، وشيئا فشيئا تزداد جرعاته إلى حين الوصول إلى الحد الأكبر.ولا يبدو أن ثمة ضير في ذلك، فالسوريون كشعب على حواف اللعبة الدولية، قد تكون سورية كجغرافية موجودة على خارطة اللعبه لإعتبارات مصلحيه، لكن هذه يمكن التوافق والتفاهم بشأنها، حتى وإن إقتضى الأمر إستلال مشارط التقسيم من صندوق أدوات الحلول الإستراتيجية.
العالم يبدو وكأنه قد إستنفذ كل خطوطه، ويلجأ الأن إلى لعبة جديدة في التحايل على العجز والتخاذل، عبر إحالة جريمة إستخدام الكيماوي إلى طور المستويات في إستخدامها، على ما ذهب اوباما، وهو اليوم يرحل تلك الخطوط إلى ما بعد الوصول إلى المستوى الأكبر ووقوع الأعظم، عند تلك المرحلة ستكون الأمور أسهل للتفاوض والمساومة. الواضح أن سورية وشعبها ضحايا عقدة بوش التي تلازم الرئيس أوباما.
لعل ذلك يذكرنا بموقف إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون التي ثبت أنها لم تكن ترغب في الاعتراف بأن الإبادة الجماعية تحدث في رواندا لأن الولايات المتحدة كانت ستكون ملزمة في تلك الحالة، بموجب اتفاقية فيينا لعام 1948، التي تتيح الدفاع عن السكان الذين يتعرضون للإبادة.
اللعبة التي حدد قواعدها أوباما تغيرت وشبعت تغييرا وأوباما أول العارفين بذلك. ولن يتأخر الوقت طويلا قبل أن يشاهد العالم أعدادا مهولة من السوريين يسقطون صرعى والزبد يخرج من أفواههم. أيها السادة عفوا، سورية ليست في طور الإستعداد للمذبحة، هي في قلبها، الدليل على ذلك أن عداد الموتى قد انكسر، فيما تكمل البلد رحلتها الدموية بدون عزاء، وغداً بدون أضرحة.