في خطابه الأخير، أشار أمين عام quot;حزب اللهquot; حسن نصر الله، إلى أن مشاركة الحزب في الحرب السورية، إضافة لإعتبارات كثيرة، مشاركة ذات جدوى. ومن جهتة قال نائب مستشار الأمن القومي الاميركي ين ردوس، في معرض تبرير واشنطن تقديم السلاح للثوار، ان ادارة اوباما تعتقد انها تستطيع أن تحدث تغييرًا على الأرض. مما يعني أن تقدير تحقق الجدوى في الموقفين هو الشرط الحاكم لإنخراط أطرافهما في النزاع السوري.

في ذات السياق نجد أن كل الأطراف المنخرطة في الحدث السوري تبني مواقفها على هذا الأساس، فالنظام مستمر بقتاله لأنه يعتقد بجدوى هذا الفعل، وكذا المعارضة السورية ترى ان إستمرارها في محاربة النظام سيجدي إلى سقوطه. يكاد هذا المثال ينسحب على مختلف الأطراف الإقليمية والدولية التي على تماس مباشر مع الحدث السوري.

ولعل الإشكالية التي ينطوي عليها هذا النوع من التقديرات، إغفالها درجة النسبية في الجدوى المراد تحقيقها، في ساحة صراعية مفتوحة على أفق واسع من تصادم القوى وتعارض الإستراتيجيات، مما يجعل فعالية هذه الجوى محصورة ضمن إطار تحريك بسيط للمعطيات وليس تغييرها نهائياً. فتتحول بناءً عليه مشاركةquot; حزب اللهquot; إلى إطالة عدد أيام بقاء بشار الأسد في السلطة ليس إلا، ويساهم تزويد المعارضة بالسلاح إلى إعادة حالة التوازن التي أخلت بها عمليات النظام مؤخراً.

لكن ماذا عن تداعيات مثل هذا التحرك على الجغرافيا السورية، وماذا عن تداعياته على أمن المجتمع السوري ونسيجه الوطني؟، تلك القضايا الجوهرية التي أغفلتها كل أطراف الصراع بدعوى إنحياز كل منها إلى ما تراه حقاًً وواجباً، وهل باتت الساحة السورية مرتعاً لتجريب السياسات وتصفية الحسابات !.
ليس صعباً تقدير حجم المأساة التي باتت تنتظر سورية، فمن الواضح أن الأصعب لم يأت بعد، على بلد بات حوالي ثلثي سكانه بحاجة لمساعدات غذائية عاجلة، ويومية، لتبقيهم على قيد الحياة، ناهيك عن تدمير ما يعادل نصف عمرانه، وقتل وإخفاء وإعاقة مئات الألاف من ناسه. ذلك ان التجهيزات اللوجستية التي يتم إعدادها لجولة المواجهة القادمة تنذر بتحويل البلد إلى خراب لن يبقي ويذر من بعده.

جغرافياً، تشي تموضعات أطراف الصراع، وخطوط دفاعاتها، إلى ترسيخ معطيات جغرافية بحكم أمر الواقع، مما يعني أن سورية، ومن دون الحاجة إلى مؤتمر جينيف، ستذهب باكراً إلى خيار التقسيم، الذي تبلور منه، حتى اللحظة، ثلاث كيانات في إطار ثلاثة مقالب جغرافية، العربي السني في الوسط والجنوب، العربي العلوي في الغرب والشمال الغربي، والكردي في الشمال الشرقي.

وثمة تداعيات كثيرة تتضمنها سيولة الحدث السوري من المقدر لها أن تفيض على الإقليم برمته، في ظل عدم إمتلاك الجوار لمصدات طبيعية أو إصطناعية قادرة على وقف تمدد النار السورية إلى هشيمهم.

يبدو وكأن كل الأطراف المنخرطة في الحدث السوري، تستخدم في إجراء حسابات الجدوى الخاصة بها ألة حاسبة quot;Calculatorquot; لا تتضمن علامة الناقص (-)، فلا تظهر لديها السلبيات المترتبة على هذه العملية، مع أن السياسة الحديثة تلجأ إلى حساب السلبي قبل الإيجابي في عمليات صنع القرار، إنطلاقاً من قاعدة ان كل الخيارات السياسية سيئة وان المهارة السياسية تتطلب إختيار الأقل سوءاً بينها.

لا جدوى حقيقية في حسابات البيدر السوري، بل رخصة لإستمرار حالة النزف أكثر، فخلف جدواهم تنتصب مشاريعهم الحقيقية بلا إدعاءات ولا تزييف، وما كانت القضية برمتها تحتاج كل تلك الحسابات، فلا حسابات جدوى لحالة شعب ثار ضد فساد حاكميه وطغيانهم، بل ثمة كثير من التداعيات تستدعي العقلانية التحسب لها وحسابها.