قبل الحديث عن الحل السياسي لابد لنا من مناقشة قضية العسكرة في الثورة السورية ومآلاتها. كي لايصطاد أحد في المياه العكرة، وهم كثر هذه الايام، مع اشتداد الحقد الظاهر والمبطن على الشعب السوري، ومن كل حدب وصوب، كنت ماقبل الثورة بأكثر من عقدين، ولاأزال ربما حتى اللحظة هذه، ان هذه الطغمة العسكرية الفاسدة والمجرمة في سورية، لايمكن اسقاطها إلا بالقوة العسكرية ومن الخارج، او بدعم ممنهج وصادق للشعب السوري، لكي يسقطها من الداخل. لهذا الموقف بالطبع تعقيداته ومبرراته، كنت دوما أعرضها فيما أكتبه وأعلنه في اجتماعات المعارضة، وفي الاجتماعات مع الغربيين.

لهذا لم اناقش قضية العسكرة الداخلية والسلمية، من باب ايهما انجع لاسقاط الطغمة المجرمة، لأنني مدرك أن هذه المافيا لاتفهم غير لغة القوة، لأن الاجرام بحق شعبنا هو من طبيعتها البنيوية والتكوينة، بعد ستة أشهر من انطلاق الثورة من حوران، وقتل المتظاهرين السلميين قائم على قدم وساق، اضافة لاقتحامات المنازل وهتك الاعراض ونهب الممتلكات أيضا، تقطيع المدن والاحياء، من أجل أضعاف حركية التظاهر السلمي واعتقال عشرات الالوف من الناشطين وقتل أكثر من 7000 مواطن، وبدات تلوح بالأفق مظاهر التسلح للثورة، نفس المعارضة التي لم يكن لديها أي مساهمة في انطلاق الثورة، بدات تفتتح المنتديات من أجل مناقشة الخيار بين السلمية والعسكرة، وكلا الخيارين بغياب دعم دولي كان لخدمة السلطة، واصحاب وجهتي النظر، يتفقون على رفض التدخل الدولي لدعم الثورة، مع أن الدول تدخلت منذ اليوم الاول لمصلحة السلطة المجرمة، معارضة عينت نفسها وصية وتشرذمت على خيارات، لا يد لها فيها ولا في اختيارها أصلا.

ينظرون على المنشقين من الجيش لهول ما رأوه، يجب ان تسلموا اسلحتكم وتنضموا للتظاهرات السلمية اصحاب هذه النصائح، هم ليسوا ضد العسكرة بالمطلق لكن خوفهم على سقوط النظام، لأنهم معارضة لها قيمة مادامت هذه السلطة موجودة، عندما تنهار هذه السلطة لاقيمة لهم..أما الطرف الآخر الذي تنطح لقيادة الثورة، وخياراتها المفروضة عنوة واقصد خيار العسكرة، كانوا أقل شأنا بكثير من هذا الموقع. مع ذلك لم يكن بالامكان اسقاط الطغمة دون تدخل عسكري دولي واضح. وتحولت العسكرة لباب رزق بعد النجاحات التي حققتها، باب رزق مالي، وباب رزق معنوي الدخول لسورية والتقاط الصور مع الجيش الحر، هنا لم يكونوا على قدر المسؤولية أن الدول لا تريد اسقاط الطغمة، وعليهم الا ينجروا للعبتها، لكن معظمهم انجر دخلت جبهة النصرة برعاية غربية وامريكية بالتحديد، ونبهنا على خطورة هذا الامر منذ لحظة باب الهوى، وشق التمثيل العسكري للثورة، لكن لاحياة لمن تنادي، التدخل الدولي مطلب لحماية ما يسمى المجتمع السوري، من الاشكاليات التي كرسها النظام على مدار اربعة عقود من طائفية وخلافه. حدثت كثرة من التطورات وتدمرت البلد بعد سنتين وثلاثة اشهر، والنظام محاصر في دمشق، وتدخلت إيران بشكل مكشوف عبر ادواتها في لبنان حزب الله والعراق مقاتلي الفضل العباس.

والسلاح الروسي يتدفق على الطغمة، والمعارضة تغني موال لايد لها فيه ولا مقدرة على تغيير مساراته، إلا عبر احراج الدول الصديقة فقط..هذا لم يحدث. المفارقة الآن أن من هم مع جنيف، هم انفسهم ضد التدخل، مع أن امريكا لها اليد الطولى في صياغة اجواء جنيف وتفاصيله!! هم يريدون أمريكا اذا كانت مع الحل السياسي الذي يبقي الطغمة في دمشق بموقع الامان، لكن لايريدون أمريكا من أجل اسقاط هذه الطغمة. من الجهة المقابلة من هم ضد جنيف يخافون على مواقعهم من أن يسقطهم الشارع، وليس لديهم أية استراتيجية أخرى سوى المطالبة بالتسليح. الآن بعد تدخل حزب الله وخسارة القصير الساقطة عسكريا أصلا، عادت نغمة الوقوف ضد العسكرة تطفو على السطح، انطلاقا من ابقاء السلاح فقط في يد الطغمة المجرمة ليس ألا والآن معها حزب الله. الذي تدخل بموافقة غربية عموما وامريكية خصوصا وارتياح اسرائيلي. لهم اسبابهم في ذلك، لكن الائتلاف ماذا فعل، والمعارضة التي اصبحت الآن من ابطال السلمية ماذا فعلت وماذا تريد ان تفعل؟ لديها جواب واحد الذهاب لجنيف2، جنيف2 الطغمة وضعت شروطها، عدم المساس بموقع رئاسة الجمهورية وعائلة الاسد من جهة وعدم المساس باجهزة الجيش والامن وتبقى في يدهم، طيب عن أي حل سياسي يتحدثون إذا، إلا إذا كان جماعة السلمية المتأخرة، أذكياء لدرجة قادرين إذا جلسوا في جنيف من تغيير هذه المعادلة!! عندها نرفع لهم القبعة..نكتة.

الآن بات الجميع يتحدث عن موازين قوى على الارض، أما الموقف من الطغمة المجرمة، ومافعلته بالبلد يختفي تحت بند: حقن الدم وماتبقى من البلد، ويا دار ما دخلك شر ولا تهجر 2ميلون سوري ولا نزح 5مليون ولا تدمرت مدن، ولا قتل اكثر من 100 الف سوري..كل هذا لنرميه خلف ظهرنا..ويعود الاسد ليحكم البلد، لان لا احد غيره، كي لايستمر بحرق البلد..ومعه الآن حزب الله، الذي تدخل عسكريا في لحظة كان النظام فيها على شفى الانهيار وإلا لما تدخل أصلا..

أظن ليس مهمة المعارضة تحليل ما يجري على الارض فقط، بل مهمتها تقديم البدائل الممكنة..فهل جنيف2 من البدائل الممكنة؟
لاحل في سورية والجميع يعرف ذلك إلا برحيل الطغمة المجرمة، وماهو مطروح حتى اللحظة، تدمير ما تبقى من البلد، فإذا كانت هذه الطغمة وقاعدتها الشعبية غير معنية بتدمير البلد فهل على أغلبية السوريين تسليمهم مفاتيح البلد من جديد؟ اشكاليات زائفة هذه التي تبدع فيها معارضتنا، الآن يطرحون أشكالية العسكرة والسلمية..طيب شاركوا بشي سلمية في مناطقكم حتى نقتنع معكم!! جنيف2 عبارة عن بدعة امريكية لكسب الوقت..دون ان يعرف أحد ماذا تريد أمريكا..؟ والائتلاف ذاهب نحو....الله يهدي البال.