rsquo;تبقي الحكومات العربية الباب مواربا لتسلل الفتنة الطائفية بين مواطنيها معتنقي الديانات المختلفة.. من مسيحيين وشيعيين وغيرهم.. ففي إصرارها على ربط القوانين التشريعية بالشريعة الإسلامية في دساتيرها برغم أنهم الأكثرية..تضع معتنقي الديانات الأخرى كأقليات امام قوانين لا يريدونها أن تنطبق عليهم.. وبالتالي تضع قياداتهم الدينية في مركز القرار في أحكامهم. والذي قد يكون مجحفا أيضا... بما يؤسس لقوانين متعددة ومتفاوتة في مدى عدالتها أمام المواطنين في البلد الواحد.. بما وبدورة يؤسس لإنعدام المساواة وتفاوت العدالة في النظام القضائي المفروض به ان ينطبق على جميع المواطنين بعدالة ومساواة.. مما وبدورة يعرقل تطور أي من القوانين و يؤدي إلى الفتنة ما بين معتنقي الديانات المختلفة ويفتح الباب للقيادات الدينية للتسلط على القرار وللتحريض بين أبناء الوطن الواحد.

وبرغم أن المثل الذي سأقدمه يختص بقوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالمرأة في واحدة من الدول العربية.. إلا أنه ينطبق على الدول العربية الأخرى وعلى جوانب متعدده من أحكام أخرى تمس حقوق المواطن العربي رجل وإمرأة مسلم ومسيحي سني وشيعي في الأنظمة القضائية في معظم الدول العربية.

على هامش قمة الدول الثماني.. قامت الوزيرة البريطانية إليزابيث سيمونز بعقد مؤتمر في لندن إستضافت فيه سيدات الأعمال العربيات لبحث العوائق التي تقف في طريق عمل المرأة العربية ومساواتها وتقليل الفجوة الطبقية.. وتشجيعها على العمل.. ثم تكريم كل إمرأة عربية ساهمت بكسر هذه الحواجز وساهمت في التنمية الإقتصادية والمجتمعية لأنها تقدم نفسها كقدوة حسنة لبنات مجتمعها وتشجيعها بتقديم هدايا تكريمية حين إنتهاء المؤتمر.

إشتركت في المؤتمر سيدات أعمال عربيات من أقطار متعددة.. إضافة إلى ممثلات رسميات لدولهن، إستطعن إختراق كل الحواجز ليصلن لمرتية وزيرات.. كلهن قدمن صورا مشرقة ومضيئة عن دولهم.. وإن كانوا في رأيي من الطبقة المحظوظة في تلك المجتمعات و لا يمثلن سوى أقل من 20 % من نساء دولهن... ولكنهن وبالتأكيد قد يكن قدوة مستقبلية رائعة للأخريات... وقد ينجحن في إضاءة طريق جديد للمرأة الأقل حظا وتعليما منهن!

تحدثت وزيرة المرأة التونسية بصدق عما تواجهه المرأة التونسية من إقصاء متعمد من الحكومة الإسلامية الجديدة والتي تحايلت ( الحكومة الإسلامية ) على عدم وجود عدد كاف من النساء في المراكز القيادية فاكتفت بتعيينها هي فقط كوزيرة للمرأة.. وتحدثت الوزيرة المغربية عن المدونة المغربية لقوانين المرأة لترسم صورة شاعرية جميلة عن المغرب الخالي من أي من معوقات التنمية المجتمعية والإقتصادية تحت قيادة ملك المغرب... وأكدت بأن الإستقرار السياسي هو المعول والأساس لكل جوانب الحياة..متناسية تماما الترابط التام ما بين التنمية الإقتصادية والإستقرار السياسي والحاجة الماسة للإصلاحات السياسية لضمان أن تعم وتصل مكتسبات التنمية المواطنين جميعا وتخلق فرصا للجميع بحيث لا تكون قاصرة على فئة أو طبقية معينة..

ما لفت نظري في كل هذا وهو ما أشرت إلية في مقدمة مقالتي عن إختلاف القوانين بإختلاف الأديان في الوطن الواحد.. جزءا من الخطاب الذي قدمته وزيرة التنمية الإجتماعيه الأردنية السيدة ريم أبو الحسن.. والذي كانت فية في منتهى الصدق حين قالت أنه وبالرغم من حدوث تطور ( وإن كان بسيطا ) في قانون الأحوال الشخصية للمرأة المسلمة.. إلا أن هذا التطور أو التغيير لم يطال قوانين المرأة المسيحية..

وحين سألتها منفرده عن ذلك ومدى ضرره على المدى البعيد على اللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد.. أكدت لي على إصرار الكنيسة على إحتكار هذه القوانين.. ورفضها طلب الحكومة بتعديل وتطوير هذه القوانين لتتماشى مع التطوير ( على قلته ) الذي حصل في قوانين الأحوال للمرأة المسلمة..

وبرغم توضيحها بعجز الدولة عن إقناع الكنيسه بتطوير هذه القوانين.. إلا أنني لجأت لسؤال إثنتين من أعز صديقاتي من المسيحيات من أصول أردنية في الموضوع.. وأكدن لي أن هذا فعلا حاصل ولكنهن كن يفضلن تدخل الحكومة رسميا ونص قانون واحد يكون أكثر عدلا من كلا القانونين المسلم والمسيحي للمرأة ليلتزم به الجميع..

وبدوري أتساءل.. أين دور الدولة والحكومة في ترسيخ وتعميق الإحساس بالمواطنة المتساوية بين نساء الوطن الواحد المسلمة والمسيحية من خلال المناهج التعليمية ومن خلال القوانين الموحدة؟؟؟ ثم ألا يؤدي ذلك إلى.. ليس فقط إنعدام العدالة والمساواة.. بل إلى الفتنه.. حين يضطر المواطن أو المواطنة للخروج من دينه وإعتناق ديانة أخرى أو الإنتماء إلى طائفة أخرى لتلبية إحتياجاته الدنيوية.. حيث تعتبرة طائفته خارجا عنها ومرتد عن ديانته.. بما قد يعرض حياته للخطر ويعرض عائلته لحمل وزر تغيير معتقدة من المجتمع! وهو ما ينطبق على جميع الأقليات في المنطقة العربية...

إن وصول أي من الأحزاب الدينية لسدة الحكم سيعمق من الفجوة ومن إنعدام المساواة بين المواطنين.. وإن وظيفة الحكومة الأساسية هي العمل على ربط جميع مواطنيها بالعدالة وبالمساواة وترسيخ مفهوم المواطنة.. ولن يتم هذا إلا بوجود دستور لا يرتبط بأي من القوانين الدينية.. ويحترم حقوق الأقليات سواء المرأة المسلمة أم المسيحية ويلتزم به جميع المواطنين...

إن الديمقراطية الحقة ليست كما قالتها لي إنسانة عزيزة قبل سنتين.. بأننا ( المسلمين ) الأغلبية وعلى الأقلية الإنصياع لقوانينيا وإن لم يعجبها ذلك فلترحل إلى مكان آخر..

الديمقراطية الحقيقية هي ما rsquo;يؤسس وrsquo;يرسخ للمواطنة الحقة التي تؤدي إلى العدالة في القانون والفرص المتساوية للجميع.. وهو ما لن يتحقق إلا بفصل الدين عن الدولة في كل المنطقة العربية.. عاجلآ أم آجلآ...

إن هذا الوطن أو الأوطان العربية ليست ملكا للمسلمين فقط سواء للسنة او الشيعة.. بل هي حق وملك لكل إنسان ولد وعاش عليها.. وحق المسيحيين وهم الأصل في المنطقة العربية وكل الأقليات في العيش بأمن لا يجب أن rsquo;يفرط فيه على الإطلاق..

فصل الدين عن الدولة هو الطريق الآمن الوحيد لإخراج المنطقة العربية من الصراعات كلها..


منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية