لم يستطع الرئيس مرسي طوال لشهور التي تولي فيها حكم مصر ومازال، أن يقنع شعبه مرة واحدة بأنه رئيس مصري لكل المصرين، تفاقمت علي نحو متسارع أشكال الرفض له، مما زاد من صعوبة محاولاته إقناع العالم والمصريين بأنه الرئيس المنتخب الذي يحظي بمساندة شعبية واسعة وليست إخوانية فقط، وبذلك افتقد الثقة الجماهيرية الكبيرة كرئيس يستطيع التغلب علي مشاكل بلده المزمنة ومن ثم الانتقال بمصر من وضع لا تحسد عليه إلى وضع علي الأقل يمكن الإشارة إليه بالمقبول علي أساس أن مطالب المصريين في الثورة لم تتعدي المطالب الإنسانية الأولية وهي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

تخبط الرئيس كان واضحا منذ البداية، صدامات متكررة مع المعارضة،تراجع سريع في القرارات،ليس هناك نية صادقة للبحث عن الكفاءات من اجل تولي المناصب الهامة في الدولة، تجاهل إصلاح الشرطة وتجاهل هيكلة أجهزتها المختلفة، الإبقاء على الفساد وعدم شن حرب لتطهير البلاد من الفساد الذي استشري في كل مؤسسات الدولة المصرية حتي بات كالسرطان المستفحل الذي لا يمكن مقاومته، و ظلت كل مؤسسات الدولة في عهد مرسي كما كانت في عهد مبارك لا إصلاح ولا هيكلة ولا تغير،بل زادت الأحول سوءا وجنحت المركب الرئاسية بالمصريين في غير الطريق الصحيح.وافتقد الرئيس بوصلة التوجيه الصحيحة وتاه وتاهت الدولة معه.وباتت كل مؤسسات الدولة كالقضاء والجيش والشرطة والإعلام جزر منعزلة تحصنت داخل قلاعها لا يستطيع الرئيس دك تلك الحصون.ومعروف للجميع الصراع بين مؤسسة القضاء ومؤسسة الرئاسة.

خيبة الأمل زادت في ربان السفينة المصرية الجانحة، وبقاء الوضع كما كان أيام مبارك، وانتهاج نفس سياسة الحزب الوطني المنحل، واستخدام لغة خطاب المراوغة ومحاولة البعد عن الواقع المصري بكل مشاكله، والبحث عن إنجازات واهية وتضخيمها للرأي العام،والسفر شرقا وغربا دون دراسة ودون ثقل مصري دولي كما كان مبارك يسافر، اضعف الرئيس هيبته في زيارات لم تأتي بنتائج إيجابية، انظر إلى زيارته إلى السودان صاحبتها المطالبة بحلايب وشلاتين، وفي أثيوبيا وقبل أن تحط طائرته عائدا في مطار القاهرة أعلنت أثيوبيا بدء تنفيذ مشروع سد النهضة.

لم يتخذ الرئيس مرسي قرارا واحدا يرفع به الظلم عن كاهل المواطن المصري الفقير وظل متمترسا في قصره الرئاسي المنيف، يطل علينا بين وقت وآخر من أجل إلقاء خطاب هنا أو هناك يترك بعده المصريين غارقين في جدل عما إذا كانوا قد فهموا شيئا من الخطاب أم لا!، وهكذا كلما زاد تخبط الرئيس زاد ملل وتخبط الناس وزادت المسافة بعدا بين الرئيس وشعبه، وأصبحت الثقة شبه منعدمة في مستشارين الرئيس وجهازه الرئاسي بالكامل،واصبح واضحا الاهتمام بالأخونة علي حساب الكفاءات،فالرئيس مرسي لم يسعى علي الإطلاق لتحرير المواطن المصري من عبودية الأنظمة السابقة، فالثورة قامت من أجل رفع رأس المواطن المصري عالية وسحق رؤس الذين أذلوه،لكن الشعب وجد بديل ذلك نوع جديد من العبودية الدينية التي تجعل الجماعة والعشيرة هم الأقرب إلى الله وفي مصاف البشر وكأن رسالة الإسلام أرسلت لهم وعليهم دون غيرهم من المسلمين، وهكذا جاءت اختيارات الرئيس لمن يتبوؤن المناصب العليا في الدولة،ورأينا مسخا من تعيناته التي لا تليق بدولة في حجم مصر،فكان رئيس الوزراء الذي لا تعرف له نكهة سياسية ولا حصافة إدارية فغابت قراراته ولم يعد المصريين قادريين علي الاقتناع بكفاءته في وقت لم يحاول الرئيس إصلاح هذا الخطأ بل أصر عليه، وبات الأمر برمته مثار سخرية كل المصريين في مواقع التواصل الاجتماعي.

لم تتوقف المهازل الرئاسية، وفي اجتماع الرئيس بالأحزاب السياسية والقوي الوطنية لبحث أزمة سد النهضة كانت الفضيحة مدوية،إذ انه تم بث اللقاء علي الهواء مباشرة في مشكلة تختص بالأمن القومي المصري، ومن حسن الحظ أن أمر هذه القوي انكشف فظهرت سذاجة هذه القوي المعارضة وسذاجة خططهم في قضيه هامة كتلك القضية التي ناقشوها. ومرة أخرى تقوم الدنيا ولا تقعد بعد تعينات المحافظين الأخيرة خاصة اختيار محافظ الأقصر من الجماعة الإسلامية المتهمة بقتل 56 سائحا عام 1997 أمام معبد حتشبسوت، انه الاختيار الساذج الذي ربما سيساعد بشكل مباشر في إزاحة الرئيس يوم 30يونيو القادم.