الكثيرون اعتقدوا أن نظام بشار سيسقط خلال أشهر لما أظهره الشعب السوري من تحدٍ وانضباط في الأشهر الأولى من الثورة. هذا الرهان فشل كما فشل رهان الآخرين الذين اعتقدوا أن سوريا خارج دائرة التحولات التي اجتاحت العالم العربي أو فيما يسمى بالربيع العربي.

كلا الرهانين سقطا. فالناس خرجت تنادي بإسقاط النظام بأصوات مرتجفة ومجبولة بالخوف سرعان ما هدرت وحطمت معها جدار الخوف وأخرجت أطناناً من الكبت والعسف الذي مارسه النظام بحق المجتمع على مدى أكثر من أربعة عقود.

لكن النظام لم يسقط رغم دخول الثورة عامها الثالث متجاوزاً كل التوقعات والتحليلات التي كانت ترى أن أيامه معدودة، وبات واضحاً بعد مرور عامين أن موقعه تعزز وعاد ليكون جزءً من حل المعضلة السورية بعد أن أعلنت الأكثرية الدولية والاقليمية والمحلية ضرورة رحيله، فهل حدث هذا حقاً بفعل الدعم الروسي والايراني غير المحدود له أم أن هناك عوامل أخرى ساندته وساهمت في بقائه حتى الآن؟

أثبت بشار أنه ليس بالمعتوه كما تحب قوى المعارضة السورية أن تسميه وأنه ليس بالمجنون كما سميته أنا في بداية الأزمة إلا بما يعني ارتكابه لمجازر بحق شعبه، إذ استفاد من ميراث أبيه في توريط معارضيه، كما استفاد من البنية الهشة للمجتمع السوري وتلويناته القومية والأثنية والطائفية التي تغنت بها المعارضة على أنها متماسكة ولم تول أهمية للتفتت الداخلي في بنية المجتمع السوري الذي ضبطه الاستبداد على مدى أربعة عقود بقوة المنظومة الأمنية التي رسخها الأسد-الأب وورثها الأسد-الإبن.

إذاً نجح الأسد-الإبن في إعادة المجتمع إلى مكوناته الأولية من قومية وأثنية وطائفية، واستطاع تحييد المسيحيين والكرد والدروز ولم يبق في المواجهة إلا قسم من السنة الذين وقعوا بدورهم في الفخ الطائفي المقيت، ما مكن النظام من استعادة قسم لابأس به من المكونات إلى حظيرته، مستفيداً من خطاب المعارضة الأجوف.
القصير، معركة أخذت حيزاً كبيراً من وسائل الإعلام السلطوية والمعارضة على حد سواء، وأخذت من الأهمية في وسائل الإعلام العربية والعالمية ما لم يأخذه الانفجار الذي أودى بحياة خلية الأزمة في دمشق.

لماذا حصلت القصير على تلك الأهمية وتصدرت وسائل الإعلام؟ هل لأن لها فعلاً أهمية استراتيجية عسكرياً أم لأن ترتيبات المجتمع الدولي وجنيف2 هي التي أعطتها تلك الاهمية؟

الجواب ببساطة، ترتيبات جنيف2 هي التي أسبغت تلك الأهمية على معركة القصير، فبينما استصدرت قطر بالتعاون مع الأوربيين قراراً يجعل الائتلاف الوطني السوري هو القوة المفاوضة الشرعية في أية مفاوضات، تعالت أصوات الداخل ترفض شرعية الائتلاف وترفض أية مفاوضات أو مساومات مع النظام بعكس خيار المجتمع الدولي وخصوصاً الأمريكان الذين باتوا مقتنعين تماماً أن المعارضة لن تستطيع الحسم العسكري حتى لو زودت بالأسلحة النوعية، وفوق ذلك صار الأمريكان يخشون فعلياً من وقوع سوريا تحت هيمنة قوى سلفية إرهابية.

لذلك، وكمؤشر أول، لم يحرك أصدقاء الشعب السوري المفترضين ساكناً أمام تدخل ميليشيا حزب الله الفاقع في القصير، فيما كان من المتوقع استصدار قرار من مجلس الأمن يدين حزب الله كحد أدنى، وهو أضعف الإيمان.

المؤشر الثاني تجلى في الأهمية الزائدة التي أعطاها الأوربيون لسليم إدريس قائد المجلس العسكري المعين من قبل الائتلاف، والقيام ببعض الترقيعات في الائتلاف لإضفاء شرعية تمثيلية عليه، كل ذلك جرى خلال معركة القصير، فيما تؤكد معظم المعلومات الآن أن قوات النظام تتجه نحو حلب العاصمة الاقتصادية وشريان الشمال والشمال الشرقي لسوريا.

فهل عُبِّدَ الطريق إلى جنيف2 وأزيلت كل العقبات التي كانت تعترض طريق الائتلاف للذهاب إليه؟ وهل سيستطيع بجسمه المترهل أن يمثل تسعين ألف قتيل وفق آخر احصائية للأمم المتحدة، ومليون ونصف مهجر في دول الجوار؟

تبقى المسألة الأهم هي كيف سيجري تجاوز جبهة النصرة والكتائب المتحالفة معها بعد أن أصبحت تشكل عبئاً حقيقياً على الثورة وخاصة أنها ترفض أي شكل من أشكال الحوار أو التفاوض

كاتب واعلامي سوري