جرب الفلسطينيون عشرين عاما من المفاوضات الماراثونية التي لم تحقق حلمهم بالتحرر والاستقلال، ولكن بالعكس منذ التوقيع على اتفاقية اوسلو ازداد عدد المستوطنات والمستوطنين وعملية قضم الاراضي وهدم البيوت واحراق اشجار الزيتون التي لم تنجُ من حقد الاحتلال، كل هذا يحدث في ظل صمت من سلطة فلسطينية هزيلة تعمل فقط من اجل استمراريتها بأي شكل من الاشكال.

ان سياسة الاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي والتنسيق الامني والتعايش معه من أخطر ما انتجته اتفاقيات اوسلو، ويبدو ان القيادات الفلسطينية لم تتعلم شيئاً مما يحدث وحدث، ولم تتعلم شيئأ من مجريات الاحداث وحقائق واهداف السياسة الاسرائيلية المتعنتة، والتي تهدف الى عدم تقديم الحلول المقبولة للفلسطينيين.

ان من ينظر الى المشهد الفلسطيني يشعر بالحزن لما وصلت إاليه القضية الفلسطينية وتراجعها في الوطن العربي بعد حدوث ما سمي بالربيع العربي، واسباب حالة هذا التردي التي وصلت اليه القضية الفلسطينية لها اسبابها ا الداخلية متأثرة بالعوامل الخارجية، واهم اسيبب هذه العوامل الخارجية تتمثل بضعف الدول العربية والتمسك بمبادرة السلام العربية منذ 2002 الذي اكل الدهر عليها وشرب، والتي يرتكز عليه الموقف العربي، ومن المعروف ان هذه المبادرة لم تلق اي اهتمام من قبل دولة الاحتلال، وعدم الجدية من الجانب العربي بالضغط على الاحتلال الاسرائيلي من اجل اجباره على الحلول السلمية.

وبدل ان يكون الدور لعربي داعما قويا في كل المحافل الدولية والدفاع عن القضية الفلسطينية، الا انه يجري العكس ويتدخل العرب دائما نتيجة للضغوط الامريكية لمطالبة الجانب الفلسطيني بالعودة الى استئناف المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي دون شروط.

ان المراهنة الفلسطينية على المفاوضات والحلول التي ستأتي من خلالها اثبتت عدم جدواها وتعتبر مضيعة للوقت، ويجب على الجانب الفلسطيني عدم الرجوع الى المفاوضات تحت اية ضغوط لانه لم يتغير اي شيء في الموقف الاسرائيلي والامريكي الداعم دائماً لاسرائبل، وتصر اسرائيل على اخضاع الجانب الفلسطيني، والشروط المسبقة يطرحها الفلسطينيون التي تزعج الجانب الاسرائيلي هي اقل ما يمكن التمسك به، ورغم ذلك لم توافق اسرائيل على العودة الى المفاوضات.
من ناحية اخرى تعمل اسرائيل بكل جهدها للاستيلاء على اكبر مساحة من الارض وبناء المستوطنات عليها لفرض الحقائق على الارض، وفرضها على الفلسطينيين في اية مفاوضات وحلول مستقبلية، هذا ان كان هناك اية حلول لدى الاحتلال، وان وجدت فما هي سوى حلول مناسبة لامنها الذي يعتبر من المقدسات، وتوافقها بذلك دول الغرب مجتمعة وعلى رأسها الولايات المتحدة.

كل هذا يجري على مرأى ومسمع الفلسطينيين الذين مزقهم الانقسام، وانشغلوا عن الاحتلال بلعبة السلطة، وعدم مقاومة المحتل، ولكن بالعكس فان القوى الفلسطينية التي تتحكم بالساحة الفلسطينية اقسمت على عدم مقاومة الاحتلال ومهادنتة، وخاصة ما حصل بعد الحرب الاخيرة التي شنها الاحتلال الاسرائيلي على غزة في تشربن الثاني من العام المنصرم، والاخطر من ذلك التنسيق المستمر معه من قِبل السلطة الفلسطينية، كل هذه الامور شجعت الاحتلال على المزيد من التعنت والتصلب في المواقف السياسية الرافضة لأية حلول، من غير شك ان مقاومة المحتل تُقصر من عمره وتجعله يتراجع عن مشاريعه الاستيطانية، والمفاوضات ما هي وسيلة مخدر للطرف الفلسطيني، من اجل كسب الوقت من جانب الاحتلال وفرض الحقائق على الارض.

من الملاحظ مؤخرا ان اسرائيل لا تعنيها المفاوضات ويظهر ذلك من خلال بعض التصريحات لبعض المسؤولين الاسرائيليين المتعنتة حول عدم الموافقة على إنشاء دولة فلسطينية وان حل الدولتين قد فشل، وفوق ذلك أفشلت اسرائيل مهمة وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي حاول دفع الجابين الى استئناف المفاوضات قبل ان تبدأ، ولكن امريكا تتحمل مسؤولية هذا الفشل بسبب عدم جديتها، لان كل ما يهمها هو ضمان امن اسرائيل، ومن المعلوم ان اسرائيل هي التي تفرض ما ترتئيه مناسبا لصالحها، ودائما توافقها الولايات المتحدة على ذلك، وتبدو غير معنية بفرض اي ضغوط عليها.

في ظل هذا الوضع القاتم، لم يتبق امام الفلسطينيين سوى الاتفاق على استرتيجية تعمل على انهاء الانقسام والوحدة، والاتفاق على استرتيجية مقاومة المحتل وعدم اسقاط هذا العامل المهم، لانه في حال استمرا التعنت الاسرائيلي لن يبقى سوى هذا الخيار من اجل كنس الاحتلال، وعدم مهادنته والتنسيق معه، لان ذلك يضر بالقضية الفلسطينية، ويجب على السلطة الفلسطينية عدم الخوف من التوجه الى الامم المتحدة والتوقيع على المعاهدات الدولية التي تحاكم الاحتلال على جرائمه، وإلا ستكون السلطة من خلال سكوتها على جرائم الاحتلال كالمشارك في هذه الجرائم التي تُرتَكب بحق هذا الشعب الفلسطيني منذ 65 عاما.

يبدو ان هناك قوى على الساحة الفلسطينية تريد ان يبقى الوضع على ما عليه، ولا تريد الوحدة وانهاء الانقسام، لان ذلك يؤثر على مصالحها ومكتسباتها واجندتها الخاصة دون النظر الى مصالح الشعب الفلسطيني، وهناك قوى لا تريد المقاومة، ولا فرق بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس اللتين اصبحتا من هذه الناحية في نفس الخندق من حيث عدم مقاومة الاحتلال، وانتظار المجهول، والاكتفاء بالتصريحات والشجب والاستنكار.


كاتب وصحفي فلسطيني