عاشت الدولة الاردنية سنوات عده اعٌتبر فيها ان منصب الوزير منحه من الرئيس لاصدقائه و اعوانه، و منه لشراء المعارضين و اسكاتهم، و ترضيه لبعض نواب الثقة، و معونه وطنية للمحتاجين ضاربين عرض الحائط بمستقبل الامه و اقتصادها، لم يكن في الحسبان، في دفاتر بعض من ركبوا سيارات و حملوا جوازات سفر حمراء، يوما الا ردن الدولة، الاردن النظام، و لا همهم الشعب او الدولة و مصيرها. مركب و سايره كما يقول المثل، و الغنائم تقسم و الولائم على قدم و ساق، منسف هنا و مسخن هناك.
و اذكر جيدا محاضرة القاها الخطيب المفوه، سريع البديهه و صاحب النكته الحاضرة، دولة رئيس الوزراء الاسبق د.عبد الرؤوف الراوبده في مكتبه شومان في التسعينات، و قد وجهت له سؤالا انذاك: ما هي quot;عبقرية quot; نقل وزير فاشل في وزارة العمل الى منصب وزير اشغال في حكومة تالية، وتحويل وزير صناعة فاشل الى وزير بلديات في حكومة تاليه، و القصد لماذا نرى عمليات تدوير الوزراء الفاشلين، الا يكفي فشل الوزير في وزارة حتى يرحل؟، و لمذا يدفع الوطن ثمن ملاحق الوزراء في مناصبهم؟ كيف يتم اختيار الوزراء؟
طبعا لم احصل على الرد الى اليوم، علما بأن حواراته مع مدير المخابرات الاسبق نذير رشيد، و معالي مروان الحمود كان لها تأثيرا فيما بعد على خياراته للوزراء باستثناء من اضطر ان يؤجل اعلان حكومته الى يوم عودة الوزير المختص من امريكا حيث كان مرتبطا بساعات تدريسيه في جامعة هارفرد.
و في موقع اخر، و لقاء ضم دولة رئيس الوزراء الاسبق زيد الرفاعي و الامير زيد بن شاكر بحضور السفير الاردني في القاهرة طراد اين الشيخ مثقال الفايز، تسائلت كيف يتم اختيار الوزراء؟، و هل يجب ان يكون الشخص ضد الملك و الملكية و من ضمن الانقلابيين على العرش الملكي او ابنا لاحدهم حتى يأتي وزيرا في حكومة؟ ام يجب ان يكون ملاصقا لمدير المخابرات مرضيا عنه في دوائر الامن ليصبح عينها في المجلس، اي مخبر بصفة وزير؟، هل تلك هي مواصفات وزراء و مقاييس اختيار رجال لبناء دولة؟ هل من المفترض ان كان لدي شخص طموحا مثلا ان يصبح وزيرا مهمته اداءواجبه لخدمة الوطن ان يننتمي الى احد التيارين الغالبين في تلك المرحلة؟ فجائت اجابة الامير زيد بن شاكر رحمه الله :rdquo; حاشاك الله من امثال تلك الطرق و الاساليب، و لكن للاسف موجودة وتحكمها الاستقطابات quot;.
و بعدها بعامين التقيت مره اخرى معالي السفير الاردني طراد الفايز صاحب الرؤية الاردنية الصافية في التركيبة السياسية و الذي تولي وزراة الزراعه، في عشاء خاص في شيراتون النيل بالقاهرة امتد الى ما بعد منتصف الليل، و خرجنا معا الى الهواء الطلق بمفردنا من جلسة ضمت وزراء ورجال اعمال و مسؤوليين من الجانب الاردني و المصري بعد ان مللنا المجاملات و روائح السيجار، حيث قال لي، تسائلت اخي من فترة عن اسس تشكيل الوزارة و مقاييس اختيار الوزراء،و اخبرك انها مضحكه فكلانا quot; ابناء الوطن و بنا قام و نهض quot; و كل ما يحدث تهريج لا تضيع بالك للاصلاح او بناء وطن، انها مصالح خاصة و ارتباطات، quot;طعه و قايمة quot; و الوزارة تشرف بنا لا نشرف يها، انها اعباء مضافة و حمل ثقيل.
و مرت الايام، و التقيت نائب رئيس وزراء، و سئلته كيف يتم اختيار الوزراء، فاجاب تقد م اسمائهم من قبل مدير المخابرات في ملف لرئيس الحكومة المكلف، و في العادة يكون العدد اكبر من المطلوب و يترك للرئيس الاختيار، و المخابرات لا تعترض على احد و لكن توجه النصح و تقدم تقريرا مفصلا عن كل شخص و لكنها تشترط وجود واحدا واسما بعينه في كل حكومة و في العادة يكون احد ضباط المخابرات من ذوي الرتب العالية او القوات المسلحة.
ومرة اخرى سمعت من رئيس وزراء الاردن الاسبق المرحوم دولة بهجت باشا التلهوني، العقل السياسي الادهي و المحنك في القانون و السياسة و شوؤن القصر، و في فندق الريجنسي في عمان، حيث كان يحب ان يجلس، و معه المرحوم عبد القادر الصالح و المرحوم حكمت المصري عن اختيار رئيس الوزراء، حيث قال ان الملك الحسين كان يستشير رؤساء حكومات معينين بحضور مدير المخابرات عن شخصية رئيس الوزراء قبل ان يختاره و يبلغه و يتم الاتفاق عليه بالاجماع في بدايات حكمه و من ثم استعاض عن الروؤساء السابقين لاحقا برأي مدراء المخابرات.
و مع مزيد من التحري و التدقيق و الدراسه، لوحظ ان السفير البريطاني في بدايات حكم الملك الحسين رحمه الله كان له رأي في التعينات(الوثائق البريطانية بها من المفارقات ما يجعل من كان في نظر الشعب وطنيا مثلا مرتهنا بأمرة السفير البريطاني وغيره من الرؤساء متلقى لاوامر القيادة المصرية و غيرهم )، و بعد فترة كان السفير الامريكي في عمان، له قائمة و مرشحون و رأي.
اقصد من الحديث، عوده على مقالي السابق عن quot;عندما ينسى المصري الطاهر حكومته و يخلع عمامته، عندما صرح لوكالة الانباء الاردنية دولة رئيس مجلس الاعيان quot;المصريquot; بأنه لا يوجد اسس لاختيار الوزراء و ان غالبيتهم لا يتمتعون بالثقة الشعبية او الخبرة السياسية، اضيف لهدولته ان هنالك ايضا من لديهم الخبرة السياسة و الثقة الشعبية و مع ذلك يتم اخراجهم و الاستغناء عنهم او استبعادهم لان لهم رأي.
و مثالا، بسيطا لضيق المساحة، اورد على ذلك دولة المرحوم الرئيس هزاع المجالي الذي اتت حكومته عام 1955، في وقت حلف بغداد بعد استقالة اربعة وزراء من حكومة سبقته اردنية و لحق بهم رئيسها دولة سعيد باشا المفتي رحمه الله عليهم جميعا، و كان المجالي له رايا صلبا في موضوع الحلف لم يتفق مع القصر فأقيل بعد اسبوع من توليه. والاخر وزير الخارجية الاسبق الدكتور هاني الملقي الذي كان اول من اشار الى الحلف الشيعي الذي يخطط له في المنطقة، و الى ضرورة عدم حل الجيش العراقي لانه سيتسبب في فوضى في العراق و هو ما تقاطع مع الرؤية الامريكية و حدث و استبعد من الحكومات المتتالية. و دولة الرئيس احمد عبيدات الذي كان اول من تراس و اسس وحد ة مكافحة الفساد في المخابرات الاردنية، و اجتهد في تشريع و سن quot;من اين لك هذا؟ quot; و بسط اسئلته التى امتدت الى quot;قرش الريف quot;، رسوم تأجير عدادات الكهرباء، قضية سرقة اراض الدولة، شركة الطيران الاردنية quot; الملكية quot; و غيرها من ملفات فساد كبرى، فاطاح به رجال اعمال و دوائر quot;مراكز القوى quot;. و غيرهم.
و لآن المحامي المرحوم احمد الخليل، البارع خريج اهم جامعات بريطانيا اكسفورد و كمبردج، و صاحب الفكر القانوني المتفرد بالوطنية و الصوت العالي، لم يسمح له بأن يتقلد المناصب الوزاريه، فقط لانه كان صاحب رأي لا يباع او يشتري او يمكن اسكاته. واسمتعت لكثير من احاديثه السياسية و افكاره الوطنية خلال مباريات التنس و التى كان من روادها رحمه الله عليه.
اذن، المطلوب وزراء بلا رأي يمثلون مناطق جغرافية و تيارات عشائرية حسب رأي احد اهم من ساعد في تشكيل اكثر من حكومة.
و حتى لا احرج احد من رؤساء الحكومات السابقة و الذين تشرفت بمعرفتهم، فقد اسر لي احدهم انه عرض هذا الرئيس المكلف على جلالة الملك الحسين اسما لوزير الخارجية فقال له الملك quot;اقفز عن الخارجية quot; فقد رشحت طاهر المصري لها، و عندما شكل المهندس علي ابو الراغب حكومته في منزل المهندس هاني الناصر، لم يكن مطلق اليدين، و عندما شكل دولة الدكتور عدنان بدران حكومته برعايه الفريق سعد خير لم يسمح له سوى ثلاثة مقاعد سمح لهم باختيارهم، احدهم اعتذر عن التربية و التعليم فأعاد معالي الدكتور خالد طوقان على مضض و بالرغم بأن الفريق سعد خير لم يكن مرتاحا لهذا الاختيار و لكن لوفاة البابا و استعجال سفر الملك عبد الله لحضور مراسم العزاء ما دفع بحكومة عرجاء تم تعديلها لاحقا، و عندما شكل المهندس نادر الذهبي حكومته حالفه الحظ باختيار سكرتيره في سلاح الجو معالي ذوقان القضاه و اثنان اخرين في وقت كان اخيه الفريق محمد الذهبي هو رئيسا لدائرة المخابرات العامة.
الاردن قادم خلال ايام على حكومة جديدة، قد يترأسها دولة الدكتور عبد الله النسور تعديلا على حكومته، او حكومة جديدة بمجملها، و لا بد من الاستفاده من دروس و عبر الماضي في اختيار الرئيس و الوزراء، و ان ينظر بجدية الى حديث quot; دولة طاهر المصري حول اسس جديدية للاختيار حتى لا يتعرض الاردن، لا سمح الله، الى الانهيار مع وصول الدين الى واحد و عشرين مليار دولار.
الوزارة ليست هبه او منه او معونة، و لا هي صابون غسل اتساخ قرارات رئيس الحكومة.
مل الشعب حكومات تاتي لاجل قرارات متسخة و ترحل ارضاء لتهدئة شارع مشتعل، التغيير الحكومي ليس مهدئا للالم، و اقصد الشعب يريد وزراء قادرون على مساعدة الملك في حمل المسؤولية و تصحيح المسار في زمن الربيع العربي، عفوا الربيع العربي غير شاي quot; الربيع quot; الذي يتغنى به من في دائرة السلطان.
التعليقات