نجحت قناة أم بي سي بأستخراج حشود الآلاف من الجماهير الى ساحات الأحتفال بالفائز في برنامج عرب ايدول في عدة عواصم ومدن عربية، ناهيك عن ملايين العرب التي زرعت أهتمامها لثلاث ساعات او اكثر بشاشة االتلفاز لمعرفة من سيكون الفائز.

ماذا يعني ان تنشغل الملايين وترفرف الأعلام الوطنية وتصطخب العواصم العربية، بفوز شاب بسباق أغاني في برنامج تلفزيوني.؟
مهما اختلفت التعليلات والتحليلات الأجتماعية والنفسية والذوقية لهذه الظاهرة، لكنها تنتهي الى أتفاق على حقيقة فراغ تعيشه هذه الملايين ومحاولتها منح قيمة معنوية عليا لأمور في غاية الزهد والمجانية، أمة تبتكر الوهم نصرا ومجدا..!؟

استثمار فضائية أم بي سي لأزمات الجماهير العربية وافتقارها للتعاطي مع العلم والحضارة والسلام، أعطى لها حرية أستعمار هذه الملايين سواء عبر المسلسلات المكسيكية والتركية بطابعها الغرائزي والترويحي، ام في برامج تفرغ منها مفاهيم الجمال للغناء والموسيقى، في مهرجان مكرر لاستعراض مجوهرات المطربة الاماراتية أحلام والترويج لغنج نانسي الصناعي وتعميم استعراض راغب علامة وقدرة حسن الشامي على تمثيل الوسامة وتصديرها للسوق العربية.

برنامج عرب أيدول الذي جذب متابعة وتفرغ الملايين من العرب والكرد ومشاركة روساء ووزراء وشخصيات حكومية واخرى سياسية، أستغرق نحو أربعة أشهر، بواقع حلقتين في الأسبوع وبزمن يمتد لساعتين ونصف في كل حلقة، وثمة حلقات أضافية ترقيعية، يعني انه استقطع نحو مائة ساعة من وقت متابعية، وقد أنتهى لتسمية الشاب الفلسطيني محمد عساف بجائزة البرنامج كأفضل صوت غنائي بحسب تصويت ملايين الجماهير. فوزعساف ببرنامج تلفزيوني وضعه امام صدمة كبيرة، فقد منحه رئيس السلطة الفلسطينية درجة سفير مع كافة امتيازاتها، ومنحته الأمم المتحدة لقب سفير للنوايا الحسنة، ولاأدري ماهي النوايا الحسنة في أمة تتقاتل طائفيا ومذهبيا؟ وتتصارع على خيبتها..؟

عموما عاشت الأمة العربية ليلة الفرح الكبير، وعمت نشوة النصر المجيد كافة المدن والأرواح الفلسطينية التي تنظر من ثقب المحنة لأي وهم و تتصوره نصرا لتعويض خساراتها المتراكمة..! كرس برنامج عرب ايدول مفهوم خواء الأمة وافتقارها لصناعة البطل، فعوضته بأغنية، وحمهور صاخب يهتف ويرقص ويضج بالصريخ لقاء أجور مدفوعة، ومنافسات جذب الحكومات العربية ايضا، واتصالات شغلت ملايين غير متوقعة وحققت أرباح تجارية طائلة لأصحاب القناة ناهيك عن الأهداف الأخرى التي أشتغلوا عليها.

أمة عربية خاملة تنفرج عن اساريرها بعد أربعة أشهر ترقب و انتظار الفائز في عرب ايدول، وتصطخب بفرح مجنون بعثورها على قدوتها بين ملايين الشباب، انه الفائز الأول في سباق أغاني لبرنامج عرب ايدول، وملايين الأعلام ترفرف، وتنهمر الدموع من العيون، وتصدح الحناجر بالهتاف وتلهج الألسن بالشكر والدعاء.. !؟؟ هذا النصر المؤزر الذي شهدت المدن العربية، ونقلته كاميرات ال أم بي سي عبر الأقمار الصناعية في بث حي ومباشر، كيف تنظر له الأمم المجاور لنا..؟ وأي احترام ستضع لنا بعد ذلك..؟

هل يعقل ان تستحوذ قناة فضائية على هذه الملايين من الجماهير وتقودها في مسلسل لتصنع منه كذبة انتصار؟

نحن لم نغادر بعد قصص الانتصارات التي نصنعها على أعدائنا في سيناريوهات نحققها ببراعة تمثيل في أفلام تلفزيونية وسينمائية لتوهمنا والأجيال اللاحقة بانتصارات زائفة، بعيدة عن واقع خسائرنا وهزائمنا، هذه البرامج تأتي في ذات النسق والتوجه الفكري والسياسي.

كيف للشعوب العربية ان تنشغل بالغناء والرقص وتهمل قضايا مصيرية ووجودية تعيشها اغلب دولها، من مصر ومخاضات ثورة التحرر والأنعتاق من غزو الظلام الأخواني، الى سوريا وعطايا جنون الأسد في مقابر جماعية يومية، الى حرائق بغداد بلهيب الأرهاب والفساد والطائفية..؟

أين يكمن السبب، في الحاكم ام الشعب؟ وهل تصلح في ذلك الحكمة التي قالها شعرا ابو الطيب المتنبي: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..!؟

[email protected]