صوت الحكمة والعقلانية ورفض الطائفية والفتن والانقسامات:

كان العاهل الأردني من أوّل المحذرين من خطورة تطور العنف الدائر في سوريا، الذي بدأ كحركات احتجاجية ومطلبية سلمية ومشروعة، كان يمكن استيعابها، فتحولت من معارضة إلى ثورة مسلحة، وتدريجيا إلى نزاع أهلي بأبعاد طائفية ومذهبية، والآن بات واضحاً للكل أن الأزمة السورية قد تمتد من حرب أهلية إلى نزاع إقليمي ومذهبي، لا تحمد عقباه، ولا يعلم أحد أين يمكن أن يصل مداه.

في مقابلة هامة مع صحيفة الشرق الأوسيط الدولية مؤخرا حذر ملك الأردن من الطائفية والفتنة والانقسامات التي تمزق العالم العربي. حظيت المقابلة بتغطية اعلامية واسعة على نطاق عربي ودولي.

هذا التحذير الشديد كان له اصداء كبيرة حتى على مستوى دولي حيث يومين فقط بعد ظهور تفاصيل المقابلة في صحيفة الشرق الأوسط وموقع العربية والمجلة والعشرات من الصحف العربية والدولية تناول رئيس تحرير صحيفة النيويورك تايمز (New York Times Editorial) موضوع الانقسام والفتن في العالم العربي وخطورته على المنطقة. هذا لم يكن بمحض الصدفة بل جاء كنتيجة مباشرة لما قاله الملك في المقابلة الهامة مع رئيس تحرير الشرق الأوسط الاستاذ عادل الطريفي. حيث قال جلالته: quot;يؤلمنا أن نرى سوريا بحواضرها ذات الامتداد الأطول في التاريخ الإنساني تتحول إلى فسيفساء من العنف والكراهية ، كما يؤلمني ويؤلم جميع الأردنيين أن نرى دماء الشعب السوري تسفك، لقد وصلت الأمور إلى مستوى على الجميع داخل سوريا وخارجها أن يقف ويقول: كفىquot;.

ما يريد الملك ان يقوله بعبارة اخرى اين انتم يا عقلاء ويا حكماء العرب ويا رجال الدين عليكم ان تتحملوا مسؤولياتكم لا يقاف الفتن التي ستمزق المجتمعات العربية وتدخلها في آتون حرب تأكل الأخضر واليابس.؟

وحذر جلالته في المقابلة من أن quot;التوسع في إذكاء نار الطائفية في العالمين العربي والإسلامي سيكون له أبعاد مدمرة على أجيالنا القادمة وعلى العالمquot;، لافتا إلى أن quot;أكثر ما نخشاه أن يتوسع الصراع في سوريا، ويتحول إلى فتنة بين السنة والشيعة على مستوى المنطقةquot;.

الأردن من أكثر الدول المجاورة لسوريا تعرضا لانعكاسات ازمة اللجوء السوري إذ وصل عدد اللاجئين السوريين الى نحو خمسماية وخمسين الف لاجئ, وشدد الملك بالقول quot;لكن على كل من يهمه الأمر ان يدرك حقيقة الموقف الاردني وبأن الاردنيين لن يسمحوا بأن يمسّ أمنهم ونحن قيادة وشعباً وقوات مسلحة مشهود لها اقليميا وعالمياً قادرون على اتخاذ ما يلزم من اجراءات لحماية الاردنquot;.

لا فتنة ولا انقسام في الأردن:

وقال جلالته quot;كوني مسلما هاشميا، فإن مسؤوليتي التاريخية تحتم علي أن أعمل بكل طاقتي مع العقلاء في العالمين العربي والإسلامي لمنع حدوث فتنة عمياء، وحث السياسيين وعلماء الدين على عدم التجييش وإثارة الفتنة واستغلال الدين في السياسةquot;. وبالنسبة للأردن قال جلالته أن هناك مساع للهروب من هذه الأزمة داخلياً إلى الأمام عبر تحويلها إلى أزمة إقليمية، لافتا الى ان الاردن الأقل عرضة لخطر الانقسام والتوتر الطائفي بسبب التركيبة المتجانسة للمجتمع الأردني.

رؤية استراتيجية دقيقة وتعقل وحكمة:

رغم أن المقابلة الواسعة والشاملة تناولت الملفات الداخلية وتعثر العملية السلمية وجهود الأردن لتحقيق حل الدولتين والعلاقات الاستراتيجية والأخوية بين الأردن والمملكة العربية السعودية والخليج مؤكدا أن quot;علاقة الأردن بالأشقاء في هذه الدول تاريخية، لا سيما مع المملكة العربية السعودية الشقيقة. وقد ارتقت آليات التنسيق وتقريب المواقف إلى مستويات متقدمة بفضل عمق علاقات الأخوة التي تربطني مع أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، الذي ستبقى جهوده رائدة في تعزيز التضامن والعمل العربي المشتركrdquo;.

في هذه المقابلة الهامة الشاملة والعميقة أبدى العاهل الأردني رؤية استراتيجية بعيدة المدى وقراءة دقيقة للتطورات الجيوسياسية في المنطقة. حيث تحدث بصراحة مشخصا الحالة العربية بدقة متناهية.

الأردن جغرافيا وسياسيا محاطا بالأزمات والاضطرابات. هناك تعنت اسرائيلي يحول دون التقدم في العملية السلمية. مصر مهددة بحرب أهلية ونظام دمشق يشن حرب ابادة ضد الشعب السوري ويدعمه في ذلك حزب الله وايران وميليشيات عراقية. وفي العراق لا يزال العنف والصراع الطائفي الداخلي سيد الموقف لذا لا غرابة أن هناك حالة من القلق والترقب لما يحدث في المنطقة وتأثيرها السلبي على الأردن.

توقيت المقابلة وعمق الاسئلة وصراحة وصدق العاهل الأردني أعطى المقابلة زخما كبيرا من الاهتمام العربي والدولي حيث سمعنا صوت عقلاني براغماتي يشخص الحالة بصراحة ويحذر من المخاطر التي تهدد المنطقة برمتها وهذا بدوره يتطلب المزيد من التعاون والتنسيق بين الدول العربية المعنية بالسلام والاستقرار والازدهار.

في منطقة شريرة تحكمها رؤوس حامية متهورة يبقى العاهل الأردني صوت العقلانية والحكمة في منطقة مضطربة.