لم أملك جاه ولا مال لكن كان لى ما هو أغلى وأثمن وأبقى كان لى خبيئة مدفونة فى عمق قلبى وعمق كيانى،كان لى وطن وكان لى صديق وكان لى حبيبة، الحبيبة ذهبت إلى قدرها، والصديق رحل دون وداع، وآخر ما تبقى من خبيئتى الغالية هو يغادر الآن، هو على وشك السقوط إلى هاوية سحيقة، وضعوه على حافة جرف عال وربطوا فى رقبته صخرة، وعلى أصوات التهليل والتكبير أناس يدفعونه بإصرار وعلى مهل، وأناس يدفعونه برعونة وعلى عجل، وأنا وقليلون مثلى لازلنا نتشبث به، ولا نملك سوى الصراخ : لا تسقط ياوطن وتتركنا حيارى، فكيف نعيش بلا وطن، بلا أرض هل نعيش معلقون بين الارض والسماء؟،نرجوك ياوطن نحن بنوك وبناتك، نحن بُناتك، ليس لنا وطن آخر، نرجوك أصمد ياوطن حتى تظل عوراتنا مستورة، إن سقطت يا وطن\ سنسقط جميعا وسيكون سقوطنا مريعا، سنتشظى فى الشتات ونهان فى المخيمات وتنكشف العورات ونظل معيرة بين الامم، ونذوق الشعور اللعين المهين شعور الاقليات، هم لايبالون بسقوطك هم غرباء متعددو الجنسية مترددو الهوية لايهمهم أن تعيش أو تموت فهم لايعرفوك ولم ينتموا يوما إليك،هم زرعوك غابات من اللحى وسقوها بالدم ونبتت عنف وتخلف وجهل وفقر ومرض، أما نحن فقد ولدنا منك ودفنا فيك، نعيش فيك وتعيش فينا، أو تذكر يوما حاربت لأجلك وجرحت لأجلك ونزفت لأجلك وحزنت لأجلك وفرحت لأجلك وكم مشيت على ضفاف نهرك،هذا أنت ياوطنى الوحيد نرجوك أصمد لأجلنا لأجل المقهورين والمأسورين والمظلومين.

وكم حذرنا ولم يسمع أحد،،كم حذرنا من الفوضى فى بلادى وكنا نتمنى أن نقف عند بوابة التحذير، كنت اتمنى أن أظل أحذر فقط ولا تقع الفوضى، لكنها وقعت وأنا أكتب الآن من قلب الفوضى فى بلادى وقلبى يقطر دما وعيناى ايضا، كان املى ان يستوعب الناس يوما أن مصر وأى وطن اكبر من ان يبادل بشخص أو مجموعة أشخاص اما أن يرحلوا أو نحرقها وقد احترقت مصر واحترقت سوريا واحترقت العراق واحترقت لبنان احترقت منابع النهضة والتقدم والمدنية والحضارة، ولم يعد يجدى نفعا رحيله أو رحيلهم أو بقائه أو بقائهم فالنار اشتعلت ويصبون الزيت على النار كل مساء كراهية وتعصب وفرقة وانقسام وتكفير، اما من وضعوا المعادلة ووازنوا بين طرفيها فهم كانوا يعلمون النتيجة مقدما وجهزوا الادوات مبكرا واحرقوها حتى قبل ان يتأكدوا من ناتج المعادلة الفاسدة، واللذين يعتقدون ان عملية ديمقراطية يمكن تنشأ فى هذه المجتمعات هم واهمون فتسويق بضاعة من هذا النوع فى هذه البيئة هو مشروع فاشل بكل المقاييس، فلا الناس ولا بيئتهم ولا ثقافتهم ولا عقائدهم ولا مذاهبهم تسمح بثورة تنادى بالمساواه بين البشر هم رضعوا أوهام التمايز والاستعلاء العرقى والدينى منذ نعومة ألأظافر رضعوا متوالية القهر والعنف ثم نشأوا على تصديرها لمخالفيهم،مخالفيهم فى الدين والمذهب والفكروالثقافة.

إن تغيير نظام يجب ان يسبقه أو يليه مباشرة تغيير فكر وتغيير ثقافة وتغيير تعليم، فالامم المحترمة تنشئ مؤسسات سياسية حقيقية تتداول السلطة، ومؤسسات تنفيذية محترفة راسخة تدير المجتمع حتى فى غياب الساسة، فبلجيكا وأسبانيا وايطاليا وفرنسا وهم قلب الاتحاد الاوربى سبق وعاشوا بلا حكومات ولم يحدث شيئ، لأن هناك مؤسسات قائمة،مؤسسات محترمة تنبع عن ثقافة محترمة، ثقافة تعبر عن قناعة بحقوق البشر فى العيش الآمن والمساواه والتوزيع العادل للثروة والسلطة، وليست تلك المؤسسات التى اكتشفنا أنها صندوق لعب وليس أجهزة دولة، صندوق لعب مصنوعة من خامات رديئة فتحه طفل غاضب وأخذ فى تكسيره لعبة تلو أخرى،وبعد أن حطم كل محتويات الصندوق انخرط فى البكاء لكن ماذا يفيد البكاء بعد أن اكتشفنا أنها مؤسسات هشة ديكور خارجى مزين يديرها أشباه بشر سراق ولصوص مرتشون وفشلة، فهل تبدلت الاحوال بعد رحيل مبارك وصدام والقذافى وابن على وابن صالح وقريبا ابن حافظ،نعم تبدلت الأحوال قفزت نظم أشد ظلما واستبدادا وتخلفا وبداوة وظلامية نظم متمرسة على الانقضاض والاختطاف كما ينقض البوم من عل على أفراخ الدجاج حديثة الفقس،استغلت سذاجة شباب بلا قيادة وسرقوهم فى وضح النهار وضاعت ثورة وضاع معها مستقبل أمه ومصيرشعب. وكان لى يوما خبيئة وطنا وصديقا وحبيبة...ضاعت الخبيئة..... رحل الوطن ورحل الصديق ورحلت الحبيبة.