تاريخياً في العراق، كانت نظرية القومية وفهم ذاتها العنصري لاتبشر بالخير. وأبداع زعمائها ومحاولاتهم بتأجيج عقمها تمَّ بخلط أهدافها بأهدافهم وطرح مبدأ عدم تساوي القوميات في الحقوق وأحترام تطلعاتها في اللغة والتراث ونيل الحريات المدنية، الأمر الذي أدى الى كراهية القوميات ولتأخذ بالسياسة القومية الداعية الى أستبداد حراس القومية وأعلاء قوميتهم على قومية أخرى لنيل الحقوق بالسلاح، والى الفوضى والصراع التاريخي المعروف.
والزعامات القومية التي قادت نظرية الكراهية القومية للقوميات الأثنية أودت بالجميع الى صراع قومي وكانت على خطأ في فهم نظرية القومية ( كالدور الذي لعبه عنصريو البعث العربي بتأسيس فرق الحرس القومي عام 1963، وأمداد أفراده بالسلاح والشرعية وأدخلتهم سياسياً في صراع وقتال وحروب مستديمة مع القوميات الأخرى. هذه الزعامات من عربية وكردية، فاتها الوقت وأضاعت الفرصة، لأنها لم تعرف سبل الحصول على الحقوق القومية دون التهديد بالسلاح وقطع الطرق وتهيأة الظروف الشاذة للشباب القومي لصراع دائم، ولم يكونوا أِلا عصاة شاركوا في عمل قذر كان مرفوضاً بين الأوساط الدولية الحقوقية والأنسانية لأنه لايؤدي الى نيل حقوق الأقلية القومية ولايؤدي الى الحفاظ على لغتها وتراثها وتاريخها ومستقبل رخائها.
ساقني الحديث عن هذا الموضوع هو خطورة المساس بالعقد الأجتماعي العراقي وحساسية الشعور القومي الذي يربط الدولة بأبنائها. فأذا أنفرط هذا العقد نتيجة رعونة أهوج، تعم الفوضى ويسود القتل العنصري القومي.
في يوم 7 يوليو/ تموز من هذا الشهر ألتقى في بغداد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي مع مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان، وجاء تأكيد الأثنان على ( تحصين العراق من توترات المنطقة التي تعيشها المنطقة)، مشجعاً ومريحاً للمجتمع العراقي وقومياته، وزاد اللقاء والتأكيد من أعجاب الكثيرين لأدراكهما ( المالكي والبارزاني) للمصلحة الوطنية للقوميات وضرورة الأبتعاد عن شحن فكرة الصراع المزمنة وعواقب التحديات وأزالتها من أفكار الناس البسطاء، ولكون طريق الحوار وتهيأة مناخ الأستقرار هو الأفضل للعربي والكردي والأشوري والتركماني واليزيدي والصابئي وووو، وهي الخلاصة التي أوصلت معظم قادة الدول الى التقدم الحضاري والرفاهية الشعبية والرخاء، وكما قال أحد مرافقي الوفدين(ثلاجة في بيت عراقي أهم من بندقية فيه!!!).
وبلا شك فأن القضايا العالقة العديدة تتطلب النية السليمة والتعاون وأدراك كل جانب لمسؤوليته التاريخية في تقريب القوميات وأيصال رسالة تعليمية واضحة بأننا سالكون هذا الطريق دون مراوغة أو مناورة مهما كانت quot; همجية ورعونة البعض في الماضي quot; لفرط الألفة القومية بعد سقوط النظام في 2003. وقول السيد مسعود البارزاني ان زيارته لبغداد تأتي لايصال رسالة الى الداخل والخارج وقوله quot;بأننا حريصون على التواصل والتعاونquot; هو ذكاء وخبرة وأدراك قومي بأن أي طريق آخر يؤدي الى شرذمة الولاءات وتدخل خارجي له عواقبه الوخيمة.
وكباحث ومراقب، فاني سأجلس في المقعد الخلفي لأرى ما تبيته الأطراف القومية العرقية العراقية. ففي الماضي القريب، علتْ أفكار اعلاء العنصر القومي وتسييده على الأثنيات الأخرى داخل الدولة وبما هيأته وغذته الدوائر الأجنبية التركية والأيرانية ودوائر الأستخبارات الاسرائيلية والغربية للوقيعة بالشعب العراقي وقادته الغير مدركين للعمل السياسي القويم ولم يتحاشوه، وأنجروا بأنفسهم الى نظرية صراع القوميات.
ويروق للبعض أن يتّهم العرب والمسلمين والمسيحيين في العراق بالتعصّب العرقي والديني والتمييز العنصري والإضطهاد القومي، والّتي هي في الواقع كانت من أبرز سمات التاريخ الأوروبي العنصري لحين أنتهاء الحرب العالمية الثانية ورغم كلّ هذه الحقائق الدامغة عن عواقب الحصار القومي (وغيرها كثير بأضعاف مضاعفة)، وبعدها حيث سادت بتأثير كبير من قادة النازية الألمانية والفاشية الأيطالية واليابانية والتمييز العنصري للسود في جنوب أفريقيا، وبعدها ماتبنته نظرية البعث والصرب في يوغسلافيا، وأضمألت مع بزوغ القرن الحادي والعشرين.
وحقّاً أن مايسرُ من نتائج مسجلة وتبعث على الفخر في العراق زيارة البارزاني لبغداد و تفاديه الحساسيات واللغط الذي تثيره الصحافة الأعلامية الموجهة وكُتاب حفر الثغرات بين شعب العراق، حيث جاء قدوم رئيس الأقليم الكردستاني الى بغداد العاصمة الأتحادية والألتقاء بالقيادات المركزية طبيعياً.
والحقيقة، أنّ كلّ الأقوام والشعوب الّتي عاشت منذ القدم في مناطق ما أُصطلح على تسميته ب quot;الهلال الخصيب أي العراق وبلاد الشام ولبنان quot; قد آشتهرت بذكائها ألأصيل ونبوغها الإبداعي في تأخي القوميات والتزاوج بين الأعراق الضارب في التاريخ.
ولكنّ نفس هذه الأقوام والشعوب المبدعة والخلاّقة، إبتليت، في فترات طويلة ومتراكمة من تاريخها، بأوضاع سياسيّة وعسكريّة وآقتصاديّة شديدة الإضطراب والعنف والشذوذ، بتأثير من الزعامات، ممّا أدّى إلى حالة تكاد أن تكون شبه مزمنة من عدم الإستقرار.
وفي علم السياسة والتاريخ الإجتماعي نظريّة تربط بين عدم الإستقرار وبين الذكاء والقدرة على الأدراك الذهني والتربية القومية الصحيحة، كون كلّ هذه الأحداث تحفّز ملكة التفكير الإبداعي وتنشّط الحاجة الملحّة للبحث عن حلول وفهم الأحداث وتقييمها مسبقاً للبقاء أمام التحدّيات والمصاعب. أوصلني أحد الأصدقاء الى معلومة أحصائية تقول بأن العراق بقومياته ودياناته (العربي الكردي والأسلامي والمسيحي هو الأول بين العالم العربي، والسابع والأربعين عالمياً في نسبة ذكاء الأفراد وأن مبدعيهم في كل أرجاء الأرض وفي مختلف المجالات ويتفوقون على الأوربيين والأمريكيين عندما تحتدم المنافسة في العلوم الطبية العلاجية والمختبرية رغم المعوقات وعدم توفر الظروف الصحيه في مختلف المجالات. وأن أكثر من 3000 طبيب وطبيبة من أرض العراق يشكلون قاعدة الطب في بريطانيا الذين يمكن أن تتأثر الصحة العامة في بريطانيا أذا ما قرروا فجأة العودة الى العراق كما قال وزير الصحة البريطاني بعد السقوط وأحتمالية الهجرة المعاكسة للأطباءالعراقيين.
الأضطهاد القومي والعرقي والديني هو الذي دفع موجات الهجرة الأوربية الى أمريكا وخاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما هو الحال لموجات الهجرة العربية الحالية أليها حيث تبحث جموع من العوائل المشردة، بسبب رعونة زعمائها،عن السلامة القومية والحفاظ على تراثها القومي وفنونها الشعبية والتخلص من شذوذ التطرف العنصري القومي التفضيلي والتعافي من عمليات غسل الأدمغة التي شحذها للناس قادة التطرف القومي بخلطهم الحقوق القومية باعلان الحرب القومية لسحق القوميات المنافسة.
باحث وكاتب سياسي
- آخر تحديث :
التعليقات