انتصر المصريون على الأخوان والأخونة، فتطابقوا مع أنفسهم ووجدانهم وتاريخهم! اثبتوا أن النور الغزير الذي شع من عقول أسلافهم بدءا من رفاعة الطهطاوي وأحمد عرابي وسلامة موسى وإبراهيم ناجي واحمد رامي وتوفيق الحكيم ولويس عوض ونجيب محفوظ؛ لم يذهب سدى!

جعلوا أفلام الأسود والأبيض المصرية الحالمة المبتهجة برقص الفاتنات، وبأنوار عصرها تتفتح؛ ليتدفق منها أبطالها أحياء بين الثائرين في شوارع القاهرة والإسكندرية.

عادوا بمصر إلى طريق الحياة،بعد أن حاول أصحاب الوجوه الكالحة حرفها عنه إلى طريق الظلام والموت!

صنعوا مثالهم العظيم، نموذجهم المغري، الذي من حق أشقائهم العرب تقليده والسير في ركبه ليصنعوا انتصاراتهم المشروعة، والملحة أيضاً!

ترى هل يستطيع العراقيون أن يحققوا ما حققه المصريون؟ ويطيحوا بحزب الدعوة، وعملية (دعوجة) الدولة والمجتمع؟ كما أطيح بنسخته الأصلية المختلفة معه طائفيا، والمتطابق معه في الخرافات والأوهام والفصام عن الواقع؟

هناك جوانب شبه كثيرة، وجوانب اختلاف أكبر!
فحزب (الأخوان المسلمين) أسسه الإنجليز في مصر عام 1928 ليقف بوجه حزب الوفد وزعيمه الوطني سعد زغول! وحزب الدعوة تأسس في الخمسينات في العراق نسخة شيعية له بتغذية إيرانية، ودعم من شركات النفط ليقف بوجه الحركتين الشيوعية والقومية المتصاعدتين آنذاك!

إنه بنفس ظلامية حزب الأخوان المسلمين، بل وأشد تعاسة، فهو محتشد بتراث من الخرافات والأساطير وأحقاد وثارات الماضي، الذي جرى تفسيره وتأويله وفق مقاسات عقد الاضطهاد، وسيكولوجية تحقيق أوسع التفاف حول قادته ومصالحهم في السلطة والثراء، ومنحهم شيئا فشيئاً مسحة القداسة، بدءا من الصدر الأول، حتى مختار العصر!

حزب الأخوان في مصر لا توجد إلى جانبه دولة مثل إيران تحميه وترضعه من خبراتها الحديثة في المكر والمراوغة.

والأميركان المتمسكون بحزب الدعوة والمالكي لن يتخلوا عنهما بسهولة فهما يحققان بهما مواصلة اللعبة الطائفية، وهما سفارتهما إلى طهران تعويضاً عن قطع العلاقات!.بنما الأميركان دعموا الأخوان ومرسي حتى آخر لحظة لأهداف أقل شأنا، ثم تراجعوا أمام نهر الجماهير الجارف!

والأخوان المسلمون مهما داخلهم من فساد وتعسف لكنهم، لم يصلوا إلى أحجام الفساد الهائلة التي وصل إليها متنفذون في العراق في دولة حزب الدعوة. وأموال الفساد ٌيصب قسم منها في صناديق الاقتراع ليصنعوا بها الشرعية الزائفة.

ويحول الإرهاب في العراق دون تجمع وتلاحم الناس للثورة، هل كانت الجماهير في مصر تستطيع أن تتجمع بهذه الكتل الهائلة لو كانت مهددة بالسيارات المفخخة؟ بذلك يكون المستفيد الأول من الإرهاب في العراق،هو الحكم الفاسد، مما يشير إلى أن القاعدة هي( قاعدات) يقال انبعضها مرتبط بإيران، وبعضهما مرتبط بالسلطة والأميركان، وبعضها مرتبط بالمخابرات الكردية في أربيل والسليمانية، وبعضها مرتبط بدول خليجية وإقليمية؛ كل يحركها حسب مصالحه وغاياته الآنية والبعيدة!

لقد أفلح القادة الطائفيون في العراق بجعل الجماهير تتجمع بالملايين، لا لتعلن إرادتها في حكم يمنحها الأمن والخير والكهرباء، بل لكي تدير ظهورها لبغداد؛ وتتجه إلى القبور في النجف وكربلاء، تبكي وتلطم وتندب حظها.

والجيش الذي وقف إلى جانب الشعب في مصر؛ هو في العراق جيش آخر، فالجيش الذي أسسه فيصل الأول، والذي تفاعل مع العراقيين مرة مصيباً، ومرات مخطئاً، لكنه على كل حال صار له تاريخ وذاكرة. قد حل بقرار كردي عنصري، وشيعي طائفي، وقعه لهم بول بريمر، وجاء محله جيش آخر تكون من المليشيات القادمة مع زعمائها من إيران، فكان من مآثره ضرب المتظاهرين في الحويجة والأنبار، وقبلها في ساحة التحرير في بغداد!

ثورة العراقيين لا تتحقق بتجمع السنة في الأنبار والموصل معزولين محزونين، إنها تتحقق إذا تحالفت معها جماهير الشيعة في الوسط والجنوب وثارت على أولئك الذين تسلطوا عليها بالدجل والخديعة وامتصوا دمها حتى النخاع.

آنذاك يمكن للعراقيين أن ينتصروا ويجبروا حزب الدعوة وزعمائه على الرحيل، وإعلان نهاية الإسلام السياسي،السني والشيعي وإلى الأبد!

بذلك يتطابق العراقيون مع تاريخهم،وضميرهم ومزاجهم الحيوي، فيتذوقوا ملحمة جلجامش، وإنشودة المطر، وفكر على الوردي وعلى جواد الطاهر وروفائيل بطي ومهدي المخزومي وعبد العزيز الدوري وحسام الآلوسي، وانستاس الكرملي وطه باقر وجواد علي وفؤاد التكرلي وغائب وعبد الملك والبياتي، وأغاني الكبنجي ويوسف عمر، وينفتح فلم سعيد أفندي بكل الألوان، ليخرج أبطاله ويرفعوا كما المصرين على النيل، أنخاب الفرح في حانات ومراقص على دجلة!