يتفشى الكذب كسلوك سياسي لدى الكثير من الأطراف المعادية للثورة السورية، بل ربما شكل هذا السلوك إستجابة للضغوطات الأخلاقية والسياسية التي تواجهها تلك الأطراف نتيجة تكشف مدى إجرامها وتأمرها بحق السوريين، ما دفع هذه الأطراف إلى اللجوء إلى هذا السلوك الفاضح رغم انكشافه وتهافته القيمي.
بالنسبة للنظام السوري، الكذب سياسة قديمة، بل أن ثمة كثيرين يقولون أن هذا النظام هو من اخترع نظريةquot; اكذب اكذب حتى يصدقك الناسquot;، ومن هنا نلاحظ ان رأس هذا النظام الذي غاب لفترة طويلة نسبياً عن وسائل الإعلام، عاد بزخم بعد استخدامه للسلاح الكيماوي في الغوطتين والتهديد الأمريكي بضربه، وكان قد سبق ظهوره بكذبة كبيرة فبركتها مستشارته الإعلامية بثينة شعبان حين ادعت أن قتلى الكيماوي هم أطفال علويين أختطفهم الثوار ورشوهم بالكيماوي.
صحيح ان بشار الأسد لم يأت على ذكر هذه الرواية المثيرة للسخرية، لكنه وفي أحاديثه المتكررة تجاوزها بلا معقولية الكثير من الروايات والأحداث والوقائع، فأعاد تأكيد أن الثوار هم من استخدموا السلاح الكيماوي، رغم أن تقارير الأمم المتحدة حددت بدقة المواقع التي خرجت منها الصواريخ المحملة بالكيماوي وهي مواقع تسيطر عليها قواته بشكل كامل ولا وجود فيها أو حولها ولمسافات بعيدة أي تواجد لقوات الثورة، الأكثر من ذلك ذهب في أحد أحاديثه إلى اعتبار نفسه على أنه أمل السوريين وحلمهم، وكأن السوريين الذين يتحدث عنهم في كوكب أخر غير أولئك الملايين الهاربين من بطشه وظلمه. وبالطبع تمتلك منظومة الكذب الاسدية سقفاً مفتوحاً يسمح لفروعها المنتشرة في لبنان والأردن والعراق إلى اعتبار تخلي النظام على الأسد نصراً مبيناً حوّلته بضربة معلم إلى قوى عظمى على المستوى العالمي مقابل إنزال الولايات المتحدة إلى جمهورية موز تعيش خريف أيامها وتحتاج لمن يحميها وينقذها!.
إيران أيضاً تحوّلت إلى جمهورية كذب، فهي بعد أن كذبت على العالم بأنها مارست عملية انتخابية ديمقراطية أفرزت انتخاب ( المعارض) حسن روحاني، تبين أن تلك العملية ليست سوى نوع من الخداع، على أساسها يقوم روحاني المعتدل بطرح رؤية جديدة للتعاطي مع الغرب وأميركا لحل مسألة الملف النووي، وخاصة بعد أن احمرت عين الغرب وهدد إيران بتقديم أجوبة واضحة حول مستقبل ملفها النووي وإلا فإن الغرب سيتخذ إجراءات رادعة خاصة وأن هناك تقارير تقول بإمكانية حصول إيران على السلاح النووي في ظرف ستة أشهر من الأن، ولعل الكذبة الأكبر في المشروع الروحاني تتمثل بطرح مبادرة وساطة في الأزمة السورية فيما عناصر الحرس الثوري الإيراني تقود العمليات في هذه الأيام على أكثر من جبهة في سورية!.
وتتربع روسيا في صدارة قائمة الجمهوريات التي تتعيش على الكذب في سياساتها، إذ رئيسها أنه مدافع شرس عن القانون الدولي وأصول العلاقات الدولية وأن همه الوحيد الدفاع عن النظام الدولي من الانفراط، فيما كان الأجدر تذكيره أنه كان من المفترض به الوقوف أمام محكمة الجنايات لمحاكمته عن الجرائم التي اقترفها في سورية بدافع حقد طائفي ونتيجة دعمه للقاتل بشار الأسد بكل الوسائل والطرق، وإذا كان نصر الله قد هدد أنه لن يتأخر في الذهاب إلى سورية لقتال شعبها إذا تطلب الأمر، فإن بوتين لا يقل حماسة ورغبة في فعل هذا الأمر.
قائمة الكذب لا تستثني أميركا هذه المرة، إذ تبين أن كل الإجراءات التي قامت بها كان المقصود منها حماية إسرائيل، وإنها استخدمت الدم السوري من أجل هذا الهدف، كان يهمها إنتزاع الأسنان الكيماوية من فم سورية كي تنتهي احتمالية تهديد إسرائيل إلى الأبد، كان يهمها عود من كومة عيدان القش السوري والباقي تأخذه القرود، يعتقد على نطاق واسع أن هذه الكلمات بالضبط هي التي قالها جون كيري لبنيامين نتنياهو لحظة استقبال الأخير له في تل أبيب عشية إنجاز كيري لاتفاق جنيف الكيماوي، وعلى وقع تلك الكلمات ضحك الإثنان كما لم يضحكا من قبل وقد وشت بهما كاميرات الصحفيين.
غير أن الكذب لا يسبح وحيداً في محيط فارغ، فهو يحتاج لبيئة تتلقفه، والواضح أن العالم إستساغ كل هذه الأكاذيب ليخرج نفسه من حرج واقعة موت السوريين، كان العالم يبحث عن سبب يغسل فيه عاره عن تواطئه وسكوته على، يريد أن يكذب على نفسه بأي رواية حتى لو كانت مشابهة لرواية بثينة شعبان الإسطورية، حينها تختلط الأمور أكثر وحينها يصبح الإبتعاد عن الهم غنيمة، ألم نقل لكم أنه ليس ثمة أحد بريء. حتى إستضافات بشار الأسد الكثيرة على شاشات الغرب تأتي في هذا السياق، سياق إكذبوا علينا بأي رواية واخرجونا من دوامة الإحساس بالعجز، لجمهوريات الكذب جماهير غفيرة تصدق أكاذيبها.