لا ينطبق المثل العربي: quot; أهل مكة أدري بشعابها quot; قدر انطباقه علي ما يجري اليوم في الشرق الأوسط الجديد. ودون الدخول في مهاترات الحديث عن أوسلو 1993 وتفاهمات جنيف 2003 وأخيرا (مماحكات) quot; جنيف 2 quot; عام 2013، فإن (دولة إسرائيل) هي جزء لا يتجزأ من هذا الشرق الأوسط الجديد ولو كره الكارهون!
لأول مرة في الألفية الثالثة نجد أن من يقرر مصير المنطقة هم أهلها (فقط) وليس (الخارج) ممثلا في الولايات المتحدة وأوروبا، فقد ثبت بالدليل القاطع أن أوهام البعض عن تأثير الغرب (التاريخي) كان نوعا من المبالغة، وأن دول الخليج العربي (بإستثناء دويلة قطر) تمتلك آليات للتأثير في المشهد كله فضلا عن حسم العديد من النزاعات في دول المنطقة، والأهم من ذلك تغيير المواقف الغربية (180 درجة) بما يوافق مصالح الشعوب العربية.
وثبت أيضا أن الانقسام العربي - الإسلامي (الحاد) في الشرق الأوسط أقوي بكثير من الصراع (العربي ndash; الإسرائيلي) نفسه الذي تكسرت عليه رؤوس أجيال عديدة، ولأول مرة - حسب صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; - تجد إسرائيل نفسها في معسكر واحد (ضد الإخوان المسلمين) مع السعودية والإمارات والكويت الذين قدموا مؤخرا 12 مليار دولار لمصر، ناهيك عن أن الجهود المشتركة التي بذلتها تل أبيب والرياض وعلاقاتهما الوثيقة مع واشنطن قد قلبت موازين القوى لصالح الجيش المصري بالفعل.
في المقايل تقف دويلة قطر (أكبر داعم مالي وإعلامي للإخوان المسلمين) وتركيا أردوغان ضد معظم دول الشرق الأوسط (وغالبية المصريين)، إلي حد اتهام إسرائيل بأنها هي التي دبرت الإنقلاب العسكري في مصر، والتلاسن الرخيص علي السعودية بأن البطون الجائعة في أفريقيا أولي بهذه المليارات من المصريين، وتهديد الجيش المصري والفريق السيسي شخصيا!
هذا (التعملق) المثير للسخرية يتجاوز حدود (العمالة للغرب) إلي الجموح المريض لكسب النفوذ في المنطقة ولو علي حساب مستقبل البلاد والعباد، وهو ما جعل دويلة قطر وتركيا الإخوانية تردد نفس نغمة تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعة طالبان من أن عزل مرسي: quot;جريمة ضد الإسلامquot;! ..
رغبة دويلة قطر في التنافس الاستراتيجي مع السعودية علي النفوذ في المنطقة متحدية زعامتها في العالم العربي، جعلها ترعي الإرهاب وتدعمه دون وجل أو خجل، تماما مثلما خاطرت تركيا أردوغان (في دعمها للإخوان) بعلاقتها مع المجتمع الدولى، ولو أدي ذلك إلي عزلتها مستقبلا،كما تقول الإذاعة الألمانية quot;دويتشيه فيلهquot;، أما الصحف التركية فقد قارنت quot;متنزه جيزي بمسجد رابعة العدويةquot; وتوقعت: quot; نهاية حكم الإخوان في تركيا quot; بأسرع مما نتخيل!
لم يكن دعم دويلة قطر للإخوان المسلمين لأسباب دينية، والشئ نفسه بالنسبة لتركيا رغم التماهي الإيديولوجي بينهما، كما لم يكن تأييد دول الخليج العربي للجيش المصري وعزل مرسي وجماعته (ضد الدين)، ما يعني أن الانقسام العربي ndash; الإسلامي (الحاد) الذي فجره صعود الإخوان المسلمين إلي حلبة الصراع السياسي في المنطقة، قد أدي إلي غلبة التفكير السياسي علي المتاجرة بالدين، وتلك نقلة نوعية سيتضح أثرها البالغ في الأيام القادمة.
إن ما يجمع بين إسرائيل (اليهودية) ودول الخليج العربي (الإسلامية) المؤيدة للجيش المصري هو الرغبة في (استقرار المنطقة)، وهو ما دفع إسرائيل علي سبيل المثال إلي مناشدة واشنطن والاتحاد الأوروبي: وقف الحديث (الباهت) حول الديموقراطية وحقوق الأنسان لأن المنطقة (من الناحية الجغرافية والسياسية) علي وشك الانهيار! .. وهو نفس الطلب تقريبا للعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز: وقف التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية المصرية، وبالمثل كانت إدانة وزير الخارجية المصري للضغوط الخارجية وأن ما يحدث هو شأن مصري خالص .
الذي غاب عن معظم دخلاء المنطقة وأذنابهم: أن شعوبها تعبت بالفعل من الأحداث المأساوية المستمرة علي مدي أكثر من عامين ونصف العام، وهي تريد أن تستريح قليلا وتشعر بالأمان والاستقرار بعد أن أنهكها الخراب والدمار بإسم الدين وتطبيق شرع الله!
ولا يستطيع أحد أن يحقق ذلك سوى الجيش الآن، حتي لو احتفظ بالسلطة فهو القوة الوحيدة المؤهلة لمواجهة هؤلاء الإرهابيين وتخليص المنطقة من شرورهم، وبما لديه من علاقات وثيقة مع دوائر المال والأعمال وطبقة الأغنياء، يستطيع أن يساهم في حل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر، لأنه يمتلك بالفعل رؤية وخبرة والعديد من المشروعات علي الأرض، التي تشجع الاستثمار والمستثمرين وتطمأنهم علي أموالهم ومستقبل أعمالهم.
- آخر تحديث :
التعليقات