وهكذا أصر الإخوان المسلمون في مصر، وحتى النهاية، على جر البلاد للدم والحريق بعنوان الدفاع عن الشرعية والشريعة.
لكم داوروا ولفوا وناوروا خلال المرحلة الأولى من انتفاضة 25 يناير، متظاهرين بالزهد في السلطة، وإذا بهم لا يتورعون عن محاولة دفع البلد إلى حافة الخطر والفوضى من أجل السلطة إياها.
لقد مارس الإخوان كل أنواع العنف والاستفزاز والابتزاز والخروج على القانون فيما سموه اعتصامات سلمية في الساحات والمساجد، بينما كانوا يحولونها إلى ثكنات عسكرية مدججة بالسلاح، ويجلبون اليتامى من الدور المخصصة لهم ليكونوا دروعا بشرية، دون أية نبضة ضمير لمصير هؤلاء البائسين بتعريضهم للخطر المحتمل.
معروف للعالم أنهم انضموا لاحقا للانتفاضة، ثم راحوا يصادرونها بمباركة الشيخ القرضاوي. وفي حينه اختاروا الدكتور محمد البرادعي كquot;الناطق الرسمي باسم الثورة.quot;
الإخوان أصروا على رفض ومعارضة الإرادة الشعبية التي تجلت في انتفاضة 30 يونيو وما بعدها، واختاروا شعار إما العودة للسلطة أو خراب مصر. وقد تحلت الحكومة الانتقالية بكل صبر وحكمة وانفتاح، داعية إياهم للحوار، ولكن دون جدوى. كما أفسحت المجال للوفود الغربية والعربية لزيارة مرسي في سجنه واللقاء مع قادة الإخوان. وكل تلك الخطوات ودعوات الحوار باءت بالفشل على صخرة تصلبهم وهوسهم بالسلطة، محاولين تحويل المعركة لحرب دينية quot;بين الإسلام والإلحادquot;، وواصفين التحاق الجيش بالحركة الشعبية بquot; الانقلاب.quot;
وأخيرا، وبعد أكثر من شهر ونصف من تعطيل الحياة في بعض مناطق العاصمة وتخريب المباني وقطع الطرقات وتعذيب المخالفين حتى الموت، اضطر الحكم الانتقالي لتطبيق القانون، وتجنب ضياع هيبة الدولة وسيادة القانون. والمؤلم أن الخسائر جسيمة، وهو ما أراده الإخوان متعمدين لكي يثيروا عطف العالم ويحرضوه ضد الحكومة وشعب الانتفاضة وجيشه الوطني.
وبينما كان الوضع المتأزم والشديد الدقة يتطلب تضامنا حكوميا رصينا، وتماسكا، إذا بالدكتور البرادعي يستقيل بذريعة عدم القناعة باستخدام الحزم لتطبيق القانون!
بالنسبة لنا لم تكن استقالته بالغريبة عن رجل مثله عرفناه وهو مدير الوكالة النووية مجاريا لإيران، وملطفا من خطورة نشاطها النووي. وهذا ما سبق وكتبنا فيه أكثر من مقال. وقد كان البرادعي موضع ثقة إيران التي سارعت، مع تركيا وقطر، إلى إدانة عملية فض اعتصامي القاهرة. كان البرادعي يردد أن الغرب يبالغ في خطورة النووي الإيراني مع أنه قال قبل أكثر من خمس سنوات لصحيفة الشرق الأوسط بان ما لدى إيران من التخصيب المنخفض يكفي لصنع قنبلة، فيما تراكمت بعد ذلك أجهزة الطرد والتقنيات والإمكانيات النووية الإيرانية وارتفع التخصيب خلافا للقرارات الدولية. وفي مرة لم ينشر ملحقا بتقرير الوكالة يؤكد على الطابع العسكري للمشروع، مما استدعى اعتراض فرنسا رسميا.
نذكر هذه الوقائع للدلالة، ومع الأسف، على أن استقالة البرادعي تدل على أنها لا تناسب رجل دولة يتحمل المسؤولية اللازمة في أدق الظروف. ولا نعرف ماذا كانت الحلول التي يقترحها لفك اعتصامات أقلقت سكان القاهرة وخزنت السلاح وجلبت الفقراء واليتامى ليكونوا وقود quot; غزوة الخندقquot;، كما وصف الإخوان اعتصام رابعة العدوية، وكأنهم في زمن الرسول وهم في مكانه بمواجهة الكفار.
إن كل محب لمصر وحريص على استقرارها ودورها وعلى امن المنطقة ومصالح شعوبها ليتمنى من القلب أن ينجح حكام مصر في ضمان امن المواطنين والبلاد، والسير بأمان لتنفيذ خارطة الطريق. نعرف أن العقبات كبيرة، والوضع خطير، ولكننا نثق بإرادة الوطنيين المصريين ووعيهم لعبور هذه المحنة بأقل الخسائرنحو شاطئ الأمان.