الأردن بلد عزيز على معظم العراقيين، الذين يجدون فيه بلدا مضيافا ومعتدل السياسات، وهو يواجه اليوم تحديات خطيرة، سواء جراء النشاط الإخواني التخريبي المستمر أو بسبب تداعيات الأزمة السورية وتدفق مئات الآلاف من المهاجرين على أراضيه، أو جراء المحاولات الإيرانية استغلال الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة بعد أن نفض الخليجيون الأيدي من مساعدة الأردن، بينما منهم من يصرفون المليارات لدعم حركات الإخوان والسلفيين ولاستثمارات في ميدان كرة القدم وسواها في دول غربية- وهذا فضلا عن عواقب شلل مساعي الحل السلمي لقضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
الأردن بلد عزيز، شعبا ونخبا ثقافية وساسة معتدلين وحكما هاشميا عرف بمساندته للعراق على الدوام. وبالتالي فإن فضيحة طاقم سفارتنا في عمان إساءة كبرى متعددة الوجوه: إساءة دبلوماسية لا تصدر إلا عن هواية وجهل واحتراف عنف-[هوس الشقاوة على الطريقة الصدامية]- في العمل السياسي؛ وإساءة لأن هذه الإساءة تمت نحو بلد عزيز ومضياف؛ وإساءة لأنها طعنة بالجالية العراقية الكبيرة هناك وهي بريئة من الانحطاط الأخلاقي والسياسي لمن قاموا بالعدوان الوحشي ولمن أوعزوا بذلك وارتضوه. وهذه الفضيحة مؤشر صارخ جديد على تردي وانحراف معايير التعيين والانتقاء في الحكومة العراقية، وهما ترد وانحراف ملموسان في كافة الوزارات ودوائر الدولة، كأن يعين عسكري، يقتحم البشر العزل بالدبابة قاتلا بلا تردد، لمنصب وزير ثقافة. حكام استباحوا البلاد عرضا وطولا، ويمارسون السلطة بروح طائفية ، انتقامية وبدائية، وإذ يقحم باسم المرجعية الدينية الشيعية في شؤون إدارتها وسياساتها، كما يجري اليوم حتى في ميدان السينما والمسرح، وكأن المرجعية ولاية فقيه بصيغة عراقية، وكأنها خبيرة بالفنون والسياسة والصناعة والطاقة والنفط والعلاقات مع العالم. ما يجري هو أنه، في كل الموضوعات والمناسبات السياسية والثقافية، يزج هذا السياسي أو ذاك وهذا العالم الديني أو ذاك [وحتى بعض المثقفين!] باسم السيد علي السيستاني في الصغيرة والكبيرة. ولكن معظم التقارير والمعلومات يشير إلى أن الرجل غير مطلع على ما يقال ويفتى باسمه، وإنما هناك ساسة ونفر من رجال الدين وبعض أفراد أسرته يستغلون اسمه لغاياتهم. ولا ننسى تصريحاته غداة سقوط النظام السابق عن أنه لن يتدخل في شؤون العراق لأنه رجل دين ولا يحمل جنسيته، ولكن المناورات السياسية باسمه استمرت على قدم وساق، وحتى يومنا هذا. هؤلاء إنما يطبقون نوعا من ولاية الفقيه ويستخدمون اسم المرجعية للضغط والابتزاز، و لتمرير هذا الموقف أو ذاك.[*]
لاشك في أن موقف الناشطين الأردنيين، المتعاطفين مع النظام العراقي المنهار، هو استفزاز لمشاعر العراقيين، ولكنهم كانوا يمارسون نشاطا سياسيا سلميا في بلدهم وبضيافة سفارة العراق.
ولاشك أيضا في أن ردود فعل بعض الأردنيين المتحمسين كانت على درجة من السوء وتحمل روحا عنصرية وحتى طائفية. ومن حسن الحظ أن موقف الحكومة الأردنية، وكالعادة، كان مشرفا، وكذلك مواقف كتاب أردنيين موضوعيين، شجبوا كل رد فعل استفزازي وعنصري على وحشية طاقم السفارة العراقية. فمرحى لهم وألف تحية. ولا بد أنهم على اطلاع تام بما يجري في العراق، وكيف تساس وتدار أموره بإعادة ممارسات النظام الصدامي، وبروح وتنفيذ طائفيين وكيف يستهان بالكفاءات ويُعتمد على المحسوبية والمنسوبية والولاءات الشخصية والحزبية الفئوية، وكيف يهيمن النفوذ الإيراني على مقاليد العراق.
ولعل من المناسب السؤال: هل هو قدر عراقي أن يخاض به في عباب البحار الهائجة ووسط العواصف بنقصان في الكفاءة، وبقلة تجربة، وبهوس الاحتكار والإقصاء وتدمير الآخر؛ يخاض به وسط الأعاصير البحرية بلا ربان حكيم متفان من أجل الشعب، وبلا بصيص من ضوء فنار بعيد يدل على مرفأ امن سليم؟؟ هل هذا هو قدر محتوم؟! وأما الأردن العزيز، فنرجو له الأمان والرفاهية والتقدم وسط منطقة كلها خطر وأزمات. كما نعلم أنه سيغفر حماقة وquot; فتوةquot; [ شقاوة] عراقيين وظفوا في غفلة من الزمن فيما ملايين العراقيين في عوز وفاقة، وملايين في الهجرة القسرية، وآلاف الكفاءات، داخلا وخارجا، متروكة ومهمشة.
إيلاف في 27 أيار 2013
[* في منتصف ديسمبر 2012 صرح صدر الدين القبانجي خطيب الجمعة في النجف بأن: quot;المرجعية الدينية أعلى مصدر قيادي للأمة وتستمد شرعيتها من اللهquot; مؤكدا أن طاعتها واجبة على الجميع. ترى ماذا ترك لخميني وخامنئي، أو لمرشد الإخوان!!؟ وأين دستور يتحدث ولو لفظا عن الديمقراطية!!؟ وهذا الرجل هو من أفتى بأن زيارة كربلاء أهم سبع مرات من الحج ، وهو من ردد مرات أسطوانة quot;حاكمية الشيعةquot;]