كما في الانتخابات الإيرانية السابقة لعام 2009، التي كان الغرب وكثيرون من العرب وحتى في إيران يعلقون أوهاما على فوز موسوي فيها، [خسر في النهاية]، فإن دوامة التفاؤل الغربي تعود للعمل مع ترشح رفنسجاني. وقبل هذا وذاك، كانت الأوهام نشيطة عن خاتمي، الذي خيب آمال من انتخبوه قبل تخييب آمال الآخرين التي كانت قائمة على أخطاء في التحليل وفي فهم الواقع.
في أيام الانتخابات السابقة، وأوهام أوباما عن تغييرات حاسمة في السياسة الإيرانية لو فاز موسوي، كتب الخبير الإيراني المعروف، امير طاهري، أنه لا الموسوي ولا أي quot; إصلاحيquot; آخر في الرئاسة بقادر على وقف المشروع النووي الإيراني، أو تغيير نهج التدخل في شؤون المنطقة، وحتى لو أراد، فإنه سيكون عاجزا عن ذلك.
المدعوون في إيران بالساسة quot;الإصلاحيينquot; هم مع quot; الراديكاليينquot; بزعامة خامنئي، طبقة سياسية واحدة تؤمن بنظام ولاية الفقيه وتحرص على ديمومته. والجميع متفقون على المشروع النووي، الذي انطلق تنشيطه زمن ولايتي خاتمي. وكروبي هو من أسس مع الإخوان المسلمين ما سمي بمنظمة الأصولية الدولية خلال رئاسته الثانية للبرلمان أواخر الثمانينات، وفي زمن رفنسجاني تأسس حزب الله.
إن هؤلاء متفقون على القضايا الكبرى في السياسة الخارجية الإيرانية وفي الملف النووي، ولكن بينهم صراعات وخلافات وطموحات هذا وذاك. وقد يبادر هذا الإصلاحي أو ذاك، لو كان في الرئاسة، لشيء من التنفيس الداخلي، ولكن النهج السياسي العام يبقى في جوهره. وهذا ما برهنت عليه تجربة خاتمي، الذي كان يظهر نفسه بمظهر المحاور المرن ولكنه في النهاية لم يفعل غير مواصلة النهج العدواني الإيراني وتنشيط النووي. فالتباين هو في التكتيك والأساليب، ما بين مراوغة ثعلبية وأسلوب المجابهة والتوتر الدائم.
هل سمعنا مثلا أن رفنسجاني أو غيره من طاقم quot;الإصلاحيينquot; وquot; البراغماتيينquot; قد عارض الإصرار على احتلال الجزر الإماراتية أو على اعتبار البحرين ولاية إيرانية؟! هل طالب احدهم بوقف التخصيب النووي تنفيذا للإرادة الدولية؟! هل بينهم من يعارض الهيمنة الإيرانية على العراق ولبنان، والتدخل السافر حتى العظم في سوريا لصالح النظام الدموي؟! هل ليسوا جميعا من يلعبون بالورقة الفلسطينية واستغلالها في المزايدة السياسية وفقا للحسابات والغايات الإيرانية؟!
مشكلة أوباما خاصة أنه يوهم نفسه ويزرع الأوهام منذ مجيئه للرئاسة. وقد مد يديه لخامنئي وحاول ترضيته بلا نتيجة مرضية، وظل النظام الإيراني يراوغ ويماطل ويخدع في المفاوضات النووية منذ 2006 ، مما اضطر اوباما لفرض عقوبات لا تردع وبإمكان إيران التهرب من كثير منها. مع كل هذا، فالأوهام مستمرة، وهذه المرة الترويج للانتظار عسى أن يفوز رفنسجاني ليغير السياسات ويحدث فيا انقلابا جذريا! كل ذلك وهم في وهم وخداع للنفس، فيما توصل إيران لعبتها الجهنمية في سورية، وتدمر السيادة العراقية وأمن العراقيين، وتعرض لبنان للفوضى ،وتمد مخالبها لمصر لإعادة العلاقات القوية والقديمة مع الإخوان المسلمين المصريين واستغلال هذه العلاقات ضد مصالح شعب مصر وشعوب المنطقة.
إن بناء الأوهام على مجيء رفنسجاني أو أي quot; إصلاحيquot; آخر للرئاسة في إيران لا يعني غير منح نظام الفقيه فرصا وإمكانات جديدة للمضي قدما في سياساته العدوانية التوسعية، ونشر الفوضى والطائفية في المنطقة. ومهما تكن، وأيا كان هذا الرئيس أو ذلك، فإن السلطة الحقيقية بيد خامنئي وحراس الثورة الخاضعين لأوامره. وهو الذي يمسك بكل خيوط اللعبة. والنظام الإيراني عندما يجد نفسه محاصرا لحد الاختناق ويعاني من سخط داخلي كبير، يبدل الوجوه والتكتيك، ويبتكر لعبا جديدة لخداع الرأي العام الدولي ولامتصاص النقمة والسخط الداخليين.
الواقع أن هذا النظام لا يفهم في النهاية غير لغة الردع والإنذار. وقد كان على أميركا والغرب دعم المعارضة الإيرانية بقوة، وهذا مطلوب اليوم أيضا، أي المعارضة من خارج النظام. كما مطلوب وقف المفاوضات العبثية واستصدار قرار حاسم من مجلس الأمن وفق البند السابع حول النووي، وتشديد الضغط لوقف التدخل الإيراني في سورية،، وتشجيع وحث دول الخليج على الوقوف معا وبشجاعة أمام الزحف والعنجهية الإيرانية التي تهددها هي أولا بدلا من المناشدات اللينة والمواقف المتباينة.
إيران تقف وراء كل مشاكل المنطقة- فضلا عن تهديدها النووي- ولو كانت الإدارة الأميركية والدول الغربية قد مارست خلال السنوات المنصرمة سياسة حازمة لا تلين تجاه إيران بدلا من تضييع الوقت، لما أمكن للمالكي في العراق أن يتغطرس كما اليوم، ولا للأسد أن يمعن في سفك الدماء بلا وازع ولا تردد. ولا نقول إن هذا الموقف الحازم الرادع كان سيكون سهلا أمام السياسة الستالينية لبوتين، والمسايرة الصينية لإيران والأسد. ولكن القضية أن وجهة السياسات الغربية ولاسيما الأميركية تجاه الملف الإيراني كانت وظلت مائعة وعرجاء.