قبل اكتشاف هوية منفذي جريمة بوسطن الإرهابية، كنت ممن وضعوا أيديهم على قلوبهم بقلق، متمنين لو كان المنفذون غير مسلمين. ولكن بان ما بان مع الأسف. الأخ الأكبر [26 عاما]، الذي قتل في اليوم الأول، كان قد ذهب للشيشان، وبقي ستة شهور هناك، ليعود لبوسطن، ويكون أول عمل له إنشاء موقع يدعو للجهاد ويمجد الأعمال الإرهابية quot;الجهاديةquot;. ولا شك في أنه تلقى هناك تدريبات فنية على التفجيرات، ولا شك عندي في انتمائهما لشبكات وعناصر القاعدة. ومعلوم أن القاعدة عادت لامركزية تماما منذ سنوات، تاركة لعناصرها في العالم تنفيذ الجرائم في الوقت والظرف الذين يرون مناسبة، كما فعل مثلا الجزائري محمد مراح وأفراد من عائلته في مدينة تولوز الفرنسية قبل عام. وقد حاول والدهما المقيم في بوسطن رد التهم عنهما، ولكن ما هي غير محاولة فاشلة ومتهافتة. وإلا فما معنى إنشاء موقع quot;جهاديquot; يمجد الإرهاب؟!

عند اكتشاف هوية الإرهابيين سمعت أميركيا عاديا يقول تلقائيا، وبلا تردد، لصحفي تلفزيوني: quot; مسلمون إرهابيونquot;. وقرأت أن صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; في افتتاحيتها تطالب بمراقبة المسلمين في الولايات المتحدة حتى في المساجد والمراكز الدينية. ومن المرجح تبديل قوانين الهجرة الأميركية. فهل هي الإسلاموبوبيا؟!
مرة أخرى، نعم هناك تيارات وجمعيات وزعامات سياسية في الغرب متعصبة أيديولوجيا وتكره الأجانب، والمسلمين خاصة، مستخدمة الغوغائية والديماغوغية لأسباب سياسية. ولكن هذه الظاهرة ما كانت لتنعش لهذا الحد، منذ سنوات، وتكسب رواجا حتى بين شرائح متزايدة من المواطنين الغربيين، الأبرياء فكريا وسياسيا، وغير المتعصبين، لولا ما اقترفه ويقترفه المتطرفون والإرهابيون الإسلامويون في الغرب، وحتى في العالم الإسلامي نفسه، من أعمال عنف وجرائم إرهاب، وما يفعله آخرون من تصعيد المطالب الفئوية والدينية على حساب القيم والقوانين العلمانية الغربية. وسبق أن توقفنا لدى كتاب المؤلف الأميركي كالدويل، الصادر عام 2009، عن توقعه بأن إسلام أحكام الشريعة سيطغي في أوروبا خلال العقود القليلة القادمة ويغير وجه القارة.
إن من يسئ للإسلام والمسلمين أولا، وأكثر بكثير من المتطرفين الغربيين، هم بالضبط أولئك المسلمون المتطرفون بين الجاليات الإسلامية في الغرب الذين يتسترون وراء الدين والقرآن لإخفاء نواياهم وأهدافهم الحقيقية، ولتبرير القتل والتفجيرات، والحث على تحدي القيم والمبادئ والقوانين الديمقراطية العلمانية الغربية. إنهم يخطفون الدين، ويسيئون لسمعة غالبية المسلمين، ويشجعون على خلق المتاعب لهم، وتغذية مشاعر القلق والخوف منهم.
تصوروا مثلا أن أما فرنسية مغربية ترسل طفلها لروضة الأطفال وعليه قميص مكتوب عليه من الأمام quot; قنبلةquot;، ومن الخلف: quot; أنا جهاد، مولود في الحادي عشر من سبتمبر.quot; المعلمة ذعرت، وأخبرت الإدارة، واستدعت المحكمة الأم، فقالت إن اسم طفلها هو جهاد، وهو مولود حقا في 11 سبتمبر؟ وادعى شقيقها بأنه اشترى القميص وعليه كلمة قنبلة على سبيل quot;المزاحquot;!! وأما المحامي العربي، فاستنكر استدعاء الأم وشقيقها. وهكذا، فالأمر كله مزاح في مزاح، ومصادفة في مصادفة: تسمية quot;جهادquot; مزاح، وتسجيل ولادته في 11 سبتمبر مزاح، واختيار كلمة قنبلة مزاح!! فمن يصدق؟! وهل نذهل لو ترك الحدث آثارا سيئة تجاه المسلمين؟ وهذا يحدث مؤخرا بعد جرائم الإرهابي الجزائري محمد مراح قبل عام في تولوز الفرنسية، وقتله لسبعة أشخاص، منهم أربعة أطفال يهود، ومجند فرنسي عربي مسلم. وهناك من يرون أن الأم وشقيقها تعمدا هذا النوع من quot; المزاحquot; في تضامن مع محمد مراح؟؟
بعد اكتشاف هوية الأخوين الشيشانيين الإرهابيين في بوسطن سمعت quot; محللاquot; فرنسيا من فضائية فرنسية واسعة الانتشار يحاول نفي صفة الإرهاب عن جريمتهما، بقوله إن أهل الشيشان يريدون الاستقلال، وهم حريصون على دينهم، ولعل الأخوين فعلا ما فعلا ضد ظاهرة الإسلامفوبيا في الولايات المتحدة! والسؤال: وما علاقة النزعة الاستقلالية هذه بالولايات المتحدة، وبرياضيي سباق المارتون؟! فالشيشان تابعة لروسيا لا لأميركا، وإن الرد على أية نزعة عنصرية لا يكون بتقتيل الأبرياء. ولا أدري هل المحلل المحترم هو من أهل اليسار المتطرف أم لا، ولكننا نعرف أن بعض يساريي الغرب يجدون الأعذار لأعمال التطرف والعنف الإسلاميين إن كانت الولايات المتحدة مستهدفة.
إن في مقدمة جذور التطرف الإسلاموي، الذي يتحول غالبا للإرهاب، هو التعليم المتزمت في البيت والمدرسة والكتاتيب الدينية، وفتاوى من نسميهم بفقهاء التطرف والإرهاب من الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى، وفي المساجد. وإذا كانت أم مغربية فرنسية شابة تفعل مع طفلها ما فعلت وهو بعد في بداية حياته، فماذا ستفعله معه لو شب؟ وبأي تعليم وأفكار ستربيه مع السنوات؟ ونعلم كيف تحرص الأحزاب والجماعات الإسلامية على التغلغل في سلك التعليم في الدول الإسلامية، وبطرق ووسائل عديدة وذكية وملتوية، وأحيانا بتساهل حكومات شبه علمانية تكون مرنة معهم اجتماعيا وثقافيا وتربويا، وتشدد معهم سياسيا، كما كانت الحال مع مبارك والإخوان المسلمين، الذين استطاعوا في عهده تمرير مفاهيمهم وأفكارهم للكتب المدرسية منذ الابتدائية. وأتذكر دراسات نشرها في إيلاف الأستاذ عادل جندي بهذا الخصوص. وقد استغل حزب الدعوة في العراق الهيمنة على السلطة لتشويه وتحريف المناهج الدراسية والتفرقة بين الجنسين في الجامعات، وتغذية التقوقع المذهبي، وتحريم تدريس عدد من الفنون الجميلة في بلد صار بقدرة قادر quot; عاصمة للثقافة العربيةquot;!!! وها هو وزير التعليم العالي العراقي، علي الأديب، يدعو إيران رسميا quot; لمساعدة الوزارة في تغيير مناهج الفقه والعلوم القرآنية في الجامعات العراقيةquot;؛ وهذا ما يعتبره المفكر العراقي أحمد القبانجي quot; من جملة الخطوات التي تكرس الغزو الثقافي الإيراني للبلادquot;، وquot;إثارة للطائفيةquot;. فهل من عجب لو أن مثل هذا التعليم وهذه الثقافة ينجبان فريقا من الخريجين المتشددين ومحترفي الكراهية والعنف؟
إن حادث بوسطن ستكون له، على ما أخمن، تداعيات سياسية وأمنية وقانونية أميركية قد تكون كبيرة. ولعلها ستوقظ أوباما من سباته الأفلاطوني، وتنبهه بأن إرهاب القاعدة لم ينته بقتل زعيمها، وأن التعامل مع قوى وأنظمة الإرهاب والتطرف والعدوان لا يكون بمد اليد باسم quot;الحوارquot;، كما تفعل إدارته منذ سنوات مع إيران، واليوم مع طالبان، حليفة القاعدة وشريكتها، وكما حلم أيضا بمد اليد لسنوات لزعماء كوريا الشمالية، التي تهدد اليوم بلاده نفسها بالقصف النووي. هذه الجهات الخارجة على القانون الدولي والمغامرة لا تفهم غير لغة الحزم ورد الصاع صاعين.