التوتر الخطير في المنطقة، منذ إطلاق النار من الجولان وصواريخ حماس، ينذر بحرق المنطقة.
أن ندين إسرائيل ونتياهو ليس صعبا، بل هي لغتنا الدارجة، من زمن quot;قال وبلىquot;، وأيا كان الحدث والمسؤول عنه؛ فإسرائيل ليست ملاكا، ونتنياهو ليس قديسا، ولا يهمهما أن يكون الرد على تحرش ما غارات يقع فيها ضحايا من المدنيين الفلسطينيين العزل.
هذا كله معروف، ولكن من واجب الإعلام الحصيف وغير الغوغائي، ومن واجب القيادات السياسية العربية أن تتساءل: لماذا محاولة إشعال المنطقة الآن بالضبط؟ ومن البادئ؟- وهذا بصرف النظر عن كل عدوانية إسرائيلية أو حسابات انتخابية لنتنياهو.
البدء كان إطلاقات سورية على إسرائيل عند الجولان، ردت عليها إسرائيل وتوقفت، وتلت الحدث قذائف حماس لتعطي إسرائيل حجة جديدة للرد العنيف الذي يتواصل.
والسؤال: من هم أصحاب المصلحة في تسخين المنطقة في هذه اللحظات بالذات، وبما قد يؤدي لحريق عام؟
يمكن الاتفاق مع التحليل الذي يرى أن أصحاب المصلحة الأوائل هم النظامان الإيراني والسوري، اللذان تخضع حماس لحساباتهما وإراداتهما، بعيدا عن المصالح الحقيقية للشعب الفلسطيني المنكوب. والهدف الرئيس هو محاولة إلهاء العرب والعالم بالصراع مع إسرائيل لإبعاد النظر عن مأساة الشعب السوري ومجازر طاغية الشام؛ هذا من جهة، وأيضا، إلهاء المجتمع الدولي عن خطورة المشروع النووي الإيراني العسكري.
إن نظام الفقيه، سيد حماس، هو المفجر الأول للأزمة الحالية بأمل إنقاذ حليفه الرئيس، النظام السوري، مستخدما أدواته في المنطقة، وعواطف الشارعين العربي والإسلامي.
نعم، لماذا التسخين الآن؟ ومن المبادرون للتسخين؟ ولأية غايات؟ وأية لعبة خطرة هذه التي يقومون بها في وقت انقسام الفلسطينيين، والمشاكل الداخلية العربية المتفاقمة، والضعف العربي العام؟ وهل ينسون أن خطوات غير محسوبة قد توقد شرارة نيران حرب عامة ستكون مغامرة كسابقاتها، وبنتائج أكثر كارثية من قبل حتى ولو ضربت تل أبيب نفسها بمزيد من الصواريخ؟!
ربما تشجع اللاعب الإيراني بباب الحوار الذي لا يزال أوباما فاتحه له على مصراعيه، وثمة الأخبار عن عروض صفقة أميركية مطروحة.، ولكن هذا النظام لا يجهل أن هناك ثوابت في السياسات الأميركية بقدر ما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، والحرب التي تكون طرفا فيها.
الحقيقة أن الشارع العربي مستعد لصرف النظر مؤقتا عن الهموم الديمقراطية، وحتى عن الهم المعيشي، عندما يكون الخصم المباشر إسرائيل. وهذا ما سبق للحكام المستبدين العرب أن استغلوه لأقصى حد في مزايدات غوغائية ومتاجرات ديماغوغية، رسمية وإعلامية، باسم فلسطين ليكون الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية هي الخاسرة من جديد. أما نظام الفقيه، فإنه يشعل الفتيل عادة ليحارب إسرائيل بغير الإيرانيين بل بالواسطة، كما حدث يوما في حرب حزب الله في لبنان. منه الصواريخ والمال، وأما الضحايا، فليسوا إيرانيين. وهل يهم ذلك خامنئي! هل يهمه ما تحدثه الغارات الإسرائيلية من عمليات تدمير فظيعة وسقوط الضحايا الفلسطينيين؟! وهل تهمه مجازر حليفه السوري وعشرات الآلاف من الضحايا ومئات الآلاف من المهاجرين الهاربين من الموت؟!
كما أن تسخين الوضع مع إسرائيل ربما لا يحرج حكم الإخوان في مصر بل قد يستغلونه لإلغاء معاهدة كمب ديفيد وقطع العلاقات مع إسرائيل، وهذا لو حدث، فقد تدفع انفعالات الشارع الحماسية إلى خطوات أخرى غير محسوبة ترتد تبعاتها على الجميع.
لقد خسر الفلسطينيون منذ قطعهم التفاوض عام 2009 بسبب فرض شرط وقف الاستيطان، علما بان المفاوضات السابقة التي انتهت عام 2007 باتفاق جيد على جدول العمل كانت تجري بلا شروط مسبقة. وخلال هذه السنوات التي مرت ازداد عدد المستوطنات، وتمادى نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف في التعنت.
إن أية دولة فلسطينية فعلية لا رمزية لا يمكن قيامها بدون المفاوضات وبإشراف دولي محايد. أما حماس وquot;الجهاديونquot;، ومعهم الإخوان المسلمون العرب جميعا، فهم لا يؤمنون بالحلول السلمية عبر التفاوض، ويعملون وفق مبدأ quot;إما كل شيء أو لا شيءquot;. وإن ما تفعله حماس لا يخدم قضية الشعب الفلسطيني حتى ولو وقع مائة قتيل إسرائيلي بالصواريخ الإيرانية وبالصواريخ الليبية المهربة عبر سيناء.
كلا، إن حسابات الأسد وخامنئي لا تتطابق مع مصالح الشعب الفلسطيني والأمن العربي.
هذا كلمة عاجلة بانتظار تطورات الوضع الخطير.