وهكذا عزفت الموسيقى في توديع المدمرة الإيرانية وأختها في بورتسودان، تمجيدا وتوديعا، بعد زيارة استعراض للقوى في أعقاب قصف مصنع اليرموك للسلاح. علاقة إخوان السودان بالخمينية ليست بالجديدة، شأنهم شأن بقية الإخوان المسلمين. وعندما أسس مهدي كروبي في طهران شبكة دولية للأصوليات الإسلامية، كان حسن الترابي من نجومها البارزة. فإيران الخمينية - الخامنئية لا تهمها فوارق المذهب إن لم تصطدم بحساباتها ومصالحها القومية التوسعية، المغلفة بالدين والمذهب. ومنذ أيام لا غير تم اكتشاف وجود ممولي القاعدة في إيران، التي طالما استخدمت عناصر قاعدية في العراق والمنطقة لعمليات التفجير والتخريب.

لا ندري أية مصلحة للشعب السوداني المستباح في وجود قوات من فيلق القدس في دارفور ومناطق سودانية أخرى! وأية مصلحة وطنية سودانية عليا في السماح لإيران، بتهريب الأسلحة المتقدمة للسودان، ليتم إرسالها عبر سيناء لحماس ولبقية المجموعات الإرهابية في غزة باسم المقاومة والممانعة! وقبل ذلك، ماذا جنى الشعب السوداني ، غير المشاكل، من وجود بن لادن في السودان تحت حماية الإخوان المسلمين!
أن تكون إسرائيل هي التي قصفت مصنع السلاح المذكورلا يعني بالضرورة أن نظام البشير يقدم خدمات نضالية للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني، لأن طريق ذلك ليس بتهريب السلاح لاستفزاز إسرائيل وإعطائها الحجج لرد الصاع بأكثر من صاعين. طريق خدمة القضية هو في اتخاذ المواقف التي تساعد على تقوية آفاق الحل السلمي العادل لقضية شعبنا الفلسطيني العادلة. أما ربط السودان بعجلة المصالح والمطامع الإيرانية ومشروعها العسكري النووي المغضوب عليه دوليا، وبسياساتها المتاجرة بالقضية الفلسطينية، والداعمة لمذابح عصابة الأسد، فلا يعني غير أن نظام البشير هو جزء من محور الإرهاب والعدوان في المنطقة الذي يقوده نظام المرشد الفقيه. ولا عجب، والبشير نفسه مغضوب عليه دوليا ومطلوب للعدالة الدولية بتهمة الجرائم ضد الإنسانية.
الشعب السوداني شعب مناضل، ومعطاء، ومحب للعمل، وصبور، وهو، بالتالي، لا يستحق أن تحكمه خيارات ومصالح وحسابات دكتاتوريات دموية وشمولية، محلية كانت أو خارجية. وهو لا يستحق أن تقصف أراضيه، مرة لأن مصنعا باسم مصنع للأدوية كان تحت إمرة بن لادن لصنع أسلحة كيميائية، ومرة لأن مصنع سلاح تديره إيران يهرب السلاح عبر سيناء المصرية لإرهابيي غزة.
الشعب السوداني من حقه أن يتخلص من الحكم الإسلامي المتسبب لمختلف المآسي والكوارث، ومقترف حملات الإبادة والعنف والقمع، والمقترن بظواهر الفقر والأمية والبؤس والتخلف. إن من حقه أن يكون له نظام ديمقراطي تعددي ومدني، وأن يستقر أخيرا وبمستوى معيشي لائق، وأن يرمم بلاده ويطورها، وان يعيش بسلام وأمان، داخليا ومع جيرانه ودول العالم.
أخيرا، فلابد من ملاحظة دور إدارة أوباما في إرخاء الحبل لنظام البشير منذ أن عين الرئيس الأميركي مبعوثه الخاص بالسودان، وملاقاته لحكام البلاد مرارا من دون مراعاة لقرار المحكمة الجنائية الدولية. وها هو مدير السي. أي . أي. يتصل بجهاز المخابرات السوداني ليؤكد له أن لا علاقة لواشنطن بالقصف الإسرائيلي، وليعرب عن قلقه على أمن الرعايا الأميركيين في السودان، وكأنما هو نوع من المناشدة، إن لم يكن الاستعطاف، الذي لا يليق بالدولة الكبرى. ولكن هل من عجب وهذه الإدارة نفسها تواصل ترك الباب مفتوحا لما تسميه بالدبلوماسية وquot;الحوار المنفردquot; في التعاطي مع النووي الإيراني، وتوسط الهند لفتح quot;الحوارquot; بينما تضع إيران شروطا لذلك!؟
النظام الإيراني يستعرض عضلاته هذه الأيام أكثر من قبل مع توالي الضربات على نظام دمشق. وقبل السفينتين الحربيتين المرسلتين للسودان، قام الإيرانيون بمناورات عسكرية واسعة على الحدود العراقية، ربما في إشارة موجهة لتركيا، وكذلك لمعارضي المالكي في الداخل العراقي. ومن يدري، فقد يخططون لتحويل العراق إلى قاعدتهم الأولى فيما لو سقط حليفهم الأول في الشام، وكأنما كل مآسي شعبنا لا تكفيه!