بعد أخذ ورد قضائيين بريطانيين أوروبيين استغرقا حوالي عشر سنوات، مع أو ضد ترحيل مساعد بن لادن في أوروبا، وداعية الإرهاب المعروف أبي قتادة، استطاعت الحكومة البريطانية مؤخرا أن تقرر ترحيله لبلده الأردن. وكانت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان ضد ترحيله في البداية بحجة أنه قد لا يواجه محاكمة عادلة في الأردن. وقد استطاع الموما إليه خلال سنوات استغلال المنافذ القضائية مجانا على حساب دافع الضريبة البريطاني في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية ومالية مستفحلة.
وفجأة، تقرر محكمة بريطانية منذ أيام أن قرار الترحيل خاطئ، فأطلق سراحه بكفالة مع شروط. وهو ما أثار الحكومة والبرلمان البريطانيين، وقالت وزارة الداخلية إنها ستعمل على استئناف قرار المحكمة المذكورة.
في مقالات سابقة لاحظنا أن نقاط قوة الديمقراطية الغربية قد تستخدم أحيانا ضد الديمقراطية نفسها، سواء كان في القضاء، أو في التسامح المفرط مع موجات الهجرة والفئوية التي قد ترسخها، أو في نشاط قوى التطرف والعنف، العنصري الغربي والأصولي الإسلامي، أو في حركات ودعايات اليسار المتطرف وبعض دعاته الذين يعادون اللبرالية الغربية. وسبق لصحفية إيطالية يسارية أن كتبت أن لابن لادن quot;جاذبية شخصيةquot; مثل توني بلير، وأنه يقود الثورة الإسلامية ضد الإمبريالية الأميركية. وهناك اليوم في الولايات المتحدة لوبي لصالح إيران ولوبي أقوى منه لصالح الإخوان المسلمين، وهم يؤثرون بدرجة أو أخرى على صانعي القرار عبر منافذ وقنوات عدة.
إنه مما يشرف الديمقراطيات الغربية قضاؤها الحر والمستقل، وحيث الحرص على توفير أقصى الضمانات للمتهم ولو كان قاتلا محترفا ووضيعا. إنه ليس كقضاء أكثر الدول العربية والإسلامية والدول الدكتاتورية خارج هذين العالمين، أي القضاء الاعتباطي والمتعسف والخضوع للسلطة التنفيذية والحسابات السياسية. نعم، هو قضاء يشرف. كما يشرف الدول الغربية انفتاحها على المهاجرين واللاجئين، و إلى أقصى الحدود، وإطلاق الحريات على مداها الأبعد. ولكن المغالاة تكون خطرة حتى لو كانت في مثل هذه الفضائل وذلك إذا أخذت من جانب واحد، ولم تؤخذ الجوانب كلها والمحاذير المحتملة بالحسبان. وأمثلة الدول الإسكندنافية تعطي أمثلة على مخاطر أقصى اللبرالية وأقصى درجات الرخاوة مع حالات العنف والجريمة، كما في حالة المجرم بريفبريك الذي أبت المحكمة اعتباره مجرما عن عمد وإنما هو مجرد مختل عقليا ومكانه المستشفى! كما أن أوروبا الغربية عموما تعاني من تنازلاتها المستمرة للمطالبات الفئوية للجاليات المسلمة التي تتحرك في صفوفها بنشاط تيارات التطرف الأصولي. ومع إطلاق سراح الزعيم الإرهابي أبي قتادة المتهم بجرائم قتل نشرت صحف فرنسية تقارير عن الأساليب والتكتيكات الجديدة لخلايا الإرهاب النائمة في فرنسا، ومنها أعداد من السجناء المسلمين الذين يتعمدون الكلام برفق وعدم حضور الصلاة الجماعية في السجن وعدم التبشير بالإسلام أو الاتصال بإمام السجن. وهذه أساليب يستخدمونها لقتل يقظة سلطات السجن والبوليس مع أن عند معظمهم أجندات أخرى كما فعل الإرهابي الجزائري قبل شهور في تولوز بقتل سبعة بينهم أطفال يهود.
المحكمة البريطانية، التي ألغت قرار الترحيل، نسيت مدى خطر الرجل على أمن وسلامة أبناء الشعب البريطاني وبريطانيا وحتى خارج بريطانيا. إنها نسيت الجرائم التي تورط بها أبو قتادة والمخاطر الكبرى من إطلاق سراحه ومن بقائه في بريطانيا. وأذكر من جديد ما كتبه عبد الرحمن الراشد غداة تفجيرات لندن حيث عنون مقاله quot; قلنا لكم امنعوهم، واليوم نقول لكم اطردوهمquot;. ولكن يبدو أن بين طرد أخطر المجرمين الأجانب سدودا وسدودا من تفسيرات ملائكية للقوانين، فإذا بقرار المحكمة الذي يصدر باسم العدالة يناقض العدالة التي يجب أن تراعي أولا ضحايا الجريمة الفعليين، والضحايا المتحملين. والمأمول أن تستطيع الحكومة والقضاء الأردنيان تطمين وإقناع ملائكة القضاء البريطاني بعدالة تنفيذ قرار الطرد، الذي هو لصالح مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي كله. ونذكر أيضا أن فريقا كبيرا من المثقفين العراقيين والعرب وجهوا قبل سنوات مذكرة للأمم المتحدة تقترح فيها اعتبار فقه الإرهاب جريمة تخضع للقانون الدولي، ولكن ذلك لم يتحقق مع الأسف. وعندما يقوم شاب مضلل، ومغسول الدماغ بالسموم الأصولية الإسلامية المتطرفة، بعملية تفجير انتحارية أو بسلسلة اغتيالات، فإن دعاة الإرهاب وفقه الإرهاب، الذين شحنوه وغسلوا دماغه، يتحملون المسؤولية عن الجريمة أكثر منه.
إيلاف في 15 نوفمبر 2012