مرة أخرى، تتكرر التحليلات التي تقسم المرشحين للرئاسة الإيرانية إلى quot;محافظينquot; وquot;إصلاحيينquot;. وأكثر من يلجأ لهذه النغمة هو الإعلام الأميركي والأوروبي، [مع إعلاميين عرب]، في هدهدة للآمال باحتمال نجاح رئيس quot;إصلاحيquot; يقوم بتغيير السياسات الإيرانية رأسا على عقب، وبفتح صفحات جديدة مع الجميع.
هلل الغرب والعرب لمحمد خاتمي، كما كانت جماهير من الشباب الإيراني نفسه تعلق عليه آمال التغيير، فإذا به في ولايتيه الاثنتين مجرد واجهة تخفي وحشية وقبح نظام ولاية الفقيه. صحيح أنه قام بزيارات quot;انفتاحيةquot;، وأدلى بتصريحات جميلة، وحاور الأميركيين وغيرهم، واعتذر عن خطف موظفي السفارة الأميركية، ولكن السياسات الخارجية ظلت في الجوهر كما هي، والمشروع النووي وجد انطلاقته النشيطة عام 2002 . أما داخليا، فقد قمع، بعد تردد، انتفاضة الطلبة لعام 1999، ولم يفعل شيئا لوقف عمليات اعتقال الصحفيين والنشطاء، وازداد في عهده عدد السجناء السياسيين. وكما كتب مؤلفا كتاب quot;الملالي ورقصة المذبوحquot; [توقفنا عنده أكثر من مرة سابقا]، فقد تبين أن خاتمي لم يكن غورباتشيف إيران، بل أحد ساسة نظام الفقيه ذي الأجنحة والخلافات والصراعات. وفي عهد كروبي كرئيس للبرلمان، تأسست الأممية الأصولية في طهران، التي ضمت أقطابا من الإخوان المسلمين.
إن جميع المرشحين للرئاسة الإيرانية، سابقا واليوم، هم من دعاة ولاية الفقيه، ونظامها الذي يقف على رأسه خامنئي، وهو المقرر الحاسم للسياسات، ولاسيما الخارجية منها. وكما كتبنا مؤخرا، فليس بين المرشحين من ليس متحمسا للمشروع النووي ذي الطابع العسكري، بل وقد حولوا المشروع إلى موضع مفخرة في الشارع. ولم نسمع من أحدهم إدانة للمشاركة الإيرانية الكثيفة في الحرب على الشعب السوري من خلال فيلق القدس وحزب الله والمالكي والمليشيات العراقية؛ ولا من يطالب بإعادة الجزر الثلاث لأصحابها الإماراتيين؛ ولا من يعارض التمدد التوسعي الإيراني في المنطقة المبرقع بالمذهب. ويقول بني صدر في تصريحات لرويترز مؤخرا إن الجميع سائرون على خطة خميني في قيام quot; حزام سياسي شيعيquot; يضم إيران ولبنان والعراق ليمتد في قطاع كبير من العالم الإسلامي، وتستطيع معه إيران ادعاء مكانة مرشد المسلمين- طبعا تحت ستار الدين والمذهب، وهو مجرد ستار يخفي المطامع الإيرانية لتكون الدولة المحورية في المنطقة والعالم الإسلامي، ولتفرض على الغرب الاعتراف بها كدولة يجب أخذ رأيها ومشاورتها في القضايا الكبرى للمنطقة والعالم. كما لم نسمع من أي من الساسة quot; الإصلاحيينquot; الإيرانيين مجرد نقد لتصدير فيلق القدس للإرهاب، ولحد التعاون في ذلك مع القاعدة كما جرى في العراق، وهو إرهاب وصل لبلغاريا والأرجنتين، مع شبكات تخريب وتجسس واسعة في أرجاء العالم، وخصوصا في المنطقة. وفي آخر تقرير سنوي أميركي [نشر في 1 يونيو 2013 ] نقرأ أن:quot; إيران زادت دعمها للإرهاب إلى أعلى درجة منذ عشرين سنة تقريبا.quot; وأما في المشروع النووي، فإن جميع مرشحي الرئاسة اليوم صرحوا بأنه يجب التشدد في التفاوض وعدم تقديم أية تنازلات.
نعم، إن الصراعات والتناقضات بين أجنحة النظام الإيراني عامل ضعف له، وقد تفتح ثغرة صغيرة هنا وهناك في القضايا الداخلية، مع تغير جزئي في الخطاب الخارجي، ولكن من العبث والخطر تبني ونشر الوهم بإمكان مجيء رئيس quot; إصلاحيquot; سيغير النهج والسياسات الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان والخليج وفي العلاقات الدولية، لاسيما ولهذا النظام علاقات قوية بروسيا بوتين وكوريا الشمالية وفنزويلا ودول لاتينية أخرى- وحتى بدول آسيوية كبرى كالهند تساهم في التملص الإيراني من العقوبات. والمصيبة هذا التخبط الخليجي في التعامل مع إيران، وتناقض المواقف والسياسات، والتباين بين التصريحات السياسية وإعلان ملاحقة عناصر تخريب تعمل لصالح إيران، وبين السماح بتدفق الشركات والمجاميع التي تعمل لصالح إيران، وخصوصا دور حزب الله في هذا المجال. أما التقارير والتحليلات الغربية، التي لا تزال تحلم برئيس إيراني يقلب السياسات رأسا على عقب، فمجرد خداع للنفس وتشويش للآخرين يفيد إيران بالذات، وهو تهرب من الموقف الصحيح الوحيد تجاه إيران: وقف المفاوضات النووية، والحزم تجاه التدخل الإيراني وتدخل حزب الله في سورية، وسياسة الإنذار والردع الحاسم في الموضوع النووي. إن نظام الفقيه لا يفهم غير منطق الردع والقوة. [يكتب هذا المقال قبيل إعلان نتائج الانتخابات]......

ملاحظة: لم يقل بني صدر في تصريحاته المشار إليها إنه ضد المشروع النووي، بل قال إن العقوبات تقوي خامنئي.[ إذن ماذا؟!]. أما بيان مجاهدي خلق، المنشور في صحف فرنسية هذه الأيام[ بمناسبة قرب انعقاد مهرجان فرنسي ndash;إيراني ndash; دولي لمساندة النضال ضد نظام الفقيه وإدانة العدوان على لاجئي ليبرتي في العراق]، ففي عنوانه نقرأ:quot; نحن نريد إيران غير نووية وبلا أسلحة دمار شاملquot;. هذا ولا أعرف عن مواقف بقية أطراف المعارضة من خارج النظام.