تتوالى الأنباء والتقارير والمعلومات القادمة من بغداد عن انتشار مليشيات شيعية في عدد من أحياء بغداد الشرقية وغيرها، وعن عمليات اغتيال وابتزاز وخطف على الهوية المذهبية. طبعا الحكومة والناطقون بلسانها ينفون ذلك، برغم ما ينشر وما يذاع وشهادات الشهود القلقين. وعندما يقول الحاكم الأوحد فلابد من تصديقه هو وتكذيب الآخرين ولو قالوا الحقيقة!!

على أن شهادة لا يمكنهم الطعن بها كانت قد تحدثت عن هذه الحملة الجديدة منذ شهر يناير المنصرم، واعني شهادة القاضي منير حداد يوم 13 يناير 2013، والتي سبق وأن توقفنا لديها لخطورة المعلومات الواردة فيها وهو الخبير العليم. ومنير حداد هو نائب محكمة التمييز الجنائية في العراق، وشارك في محاكمة صدام. كانت شهادته الدامغة قد أكدت وأدانت الاعتقالات الجماعية على الهوية الطائفية، وأساليب التعذيب لانتزاع الاعترافات الملفقة، والاغتصاب أو التهديد به. وقال القاضي إنه كان يخبر المالكي بكل تلك المعلومات، وإن بعض القضاة كانوا يتسترون على هذه الانتهاكات. ومما كشفه أيضا، وهذا هو موضوعنا هنا، قوله :
quot;الجرائم لا تقف عند هذا الحد، بل إن هناك مخططا للتغيير الديمغرافي شمل مناطق محيط بغداد، لاسيما في التاجي وأبو غريب من خلال إجبار بعض العائلات على ترك منازلها ومناطقها.quot;
ومنذ ذلك التاريخ، انتقلت الحملة لداخل بغداد في الأحياء المختلطة أو ذات الأكثرية السنية. أما المتهمون الأوائل، ففي المقدمة عصابات quot;كتائب أهل الحقquot;، الإيرانية التدريب والتمويل والولاء، والتي أدمجها المالكي فيما يسمى بالعملية السياسية، ولكنها لا تزال تحتفظ بسلاحها وتقيم المهرجانات المسلحة بحضور بعض كوادر quot; القانونيةquot;. وهذا التنظيم الشيعي المسلح يحظى بكل رعاية السلطة، ويكلف بمهام معينة ذات طابع طائفي و سياسي. ونشرت quot;الحياةquot; لكاتب عراقي مطلع مقالا يرد فيه، ودون ذكر اسم العصابة مع التنويه الواضح، أنها تتمتع بكل دعم الحكومة، وأنها راحت أيضا تفرض الخوات وتأخذ الأتاوات علنا. وهي تفرض نسبة عشرة بالمائة على كل عملية بيع عقارية مهمة- أي أن عصائب الفتك والافك هذه، تمارس- عدا الاغتيالات والاستعراضات العسكرية التخويفية- أساليب ابتزاز ونهب مالية كوسيلة للإثراء، وكوسيلة ضغط على أساس الهوية المذهبية. أما المليشيا الأخرى، وهي أيضا إيرانية الصناعة والولاء علنا وبلا مواربة، فهي عصابات quot; جيش المختارquot; للبطاط الوطواط، المكلف أولا بترهيب وتقتيل اللاجئين من مجاهدي خلق في معسكر ليبرتي. وقد سبق لهذا الوطواط الإيراني أن أطلق على المعسكر صواريخ قتلت وجرحت العشرات من اللاجئين العزل المسالمين. وقبل أيام قامت بعملية مماثلة- علما بأن اللاجئين هم من الشيعة ولكن هذا لا يغفر لهم ماداموا ضد ولاية الفقيه برغم أن لا نشاط سياسيا أو مسلحا لهم. ومع اعتراف البطاط بquot;جيشهquot; وبقذفه للصواريخ، فإن مسؤولين عسكريين يزعمون أن لا وجود لهذه المليشيا على الأرض. مرة أخرى، يجب تكذيب الشهادات والحقيقة وتصديق ما يقوله المقربون من الحاكم الأوحد، فهو وحده مالك الحقيقة والحكمة. أليس كذلك؟!!
إن الحشد المذهبي، الدعائي والفكري والعملياتي، قد ازداد نشاطا مع الأزمة السورية ومع اعتصامات الانبار وغيرها ومذبحة الحويجة. وهذا النهج المبرمج هو الذي شجع على بروز ممارسات وشعارات متطرفة في المناطق الغربية، لحد تأسيس ما يدعى بجيش العشائر- أي مليشيا مسلحة جديدة محظور قيامها دستوريا، وهي عامل للمزيد من الاحتقان والصراع.
رجل الدين الشيعي جلال الصغير ينادي بالويل والثبور بكاء على ضريح زينب في سورية مع أن المؤرخين الشيعة، ومنهم محسن الأمين، يؤكدون أنها دفنت في المدينة المنورة لا في سورية. ولكنها ورقة طائفية لتبرير المشاركة العراقية الفعلية في الحرب الأهلية السورية، التي ليست حربا طائفية، بل هي ثورة شعب يريد الحرية والعدالة والأمان على نظام فاشي دموي قام باستغلال الغوغائيات القومية. وقد تدخلت جهات عدة لاستغلال طبيعة الصراع، وكل لأغراضه، ولاسيما القاعدة وإيران وحزب الله والحكومة العراقية.
وحدث آخر وقع في وزارة التعليم العالي العراقي هذه المرة، على أثر قيام جماعة مسلحة متطرفة بتفجير ضريح الصحابي حجر بن عدي الموالي للإمام علي. فماذا فعل الوزير، المعروف عراقيا بأنه الأقرب لخامنئي؟ أمر بوقف العمل في مؤسسات الوزارة حدادا على تفجير الضريح. ويعقب رشيد الخيون على هذا القرار بقوله: quot;إنها لحظة التذكير بأن السلطة القائمة سلطة دينية والأضرحة تهمها أكثر من الأحياء، لا الدماء التي تسيل انهارا ببغداد وغيرها...quot;
إن ما يجري اليوم في بغداد وعموم العراق مصدر قلق ورعب. فإلى جانب المعلومات عن مخطط التطهير المذهبي في بغداد، وهو ما نرجو أن يفشل، نذكر أيضا حادث اغتيال جماعي لاثني عشر ضحية من الطائفة اليزيدية في بغداد على أيدي عصابات مسلحة شيعية. ويبدو أن ما جرى للمسيحيين والصابئة المندائيين، من قتل وتهجير وتدمير للكنائس على أيدي أطراف مجرمة عدة، لم يعد يكفي! فاليوم جاء موعد اليزيدية ليتم تطهير العاصمة من أي لون آخر!
نقطة ضوء:
نشر السيد نبراس الكاظمي، المقرب من الدكتور أحمد الجلبي والذي يعمل في مؤسسة هدسون الأميركية، مقالا بعنوان quot; شيعة العراق بين خيار العزلة الإقليمية أو التطلع إلى إقليم أوراسيا- وجهات نظر.quot;
يروى الكاتب أن السيد المالكي التقى غريمه السياسي السيد عمار الحكيم بعيد انتخابات المحافظات التي جاءت مخيبة لآماله، وقال له quot; العراق متجه إلى التقسيم ، وعلى الشيعة رص صفوفهم لمواجهة السنةquot;. كلام خطير جدا لو صحت الرواية. ونحن لا نعتقد أن الكاتب رواها اعتباطا. ومن رأي الكاتب أنه يرجح أن الرقم الحقيقي للشيعة العراقيين [بكافة قومياتهم] هو 54 بالمئة وليس 65 بالمئة كما هو شائع.]