انتظر الأكراد طويلا الاصلاحات التي وعد بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خاصة ان الأخير أعلن قبل أسبوع ان هذه الإصلاحات ستكون تاريخية، فهل كانت هذه الإصلاحات تاريخية فعلا ؟
لعل أبرز القضايا الإصلاحية التي أشار إليها أردوغان هي : رفع الحظر عن ارتداء الحجاب، الإشارة إلى السماح بتدريس اللغة غير التركية في المدارس غير الرسمية، وإمكانية إعادة النظر في القانون الانتخابي الذي يمنع دخول أي حزب في البرلمان دون ان يحصل على نسبة عشرة بالمئة من الأصوات في عموم البلاد.. مقابل هذه الخطوات التي لا يمكن وصفها بالإصلاحية تجاهل أردوغان في خطابه والذي دام ساعة كاملة أي ذكر للأكراد أو الإشارة إليهم كهوية وشعب، متجاهلا في الوقت نفسه المطالب المشروعة التي يطالبون بها والتي من أجلها دخلوا في عملية السلام التي باتت مهددة بالانهيار بعد الإصلاحات المخبية للآمال.
بداية، ينبغي الإشارة إلى ان أردوغان رفض مشاورة أي طرف تركي أخر أو كردي في صوغ هذه الإصلاحات، وعليه جاءت الخطوات التي أعلن عنها لتعبر عن وجهة نظر واحدة تجسد المصالح السياسية والانتخابية لأردوغان وحزبه، وفي الوقت نفسه بعيدة كل البعد عن المطالب التي ينادي بها الأكراد الذين يقارب عددهم عشرين مليون نسمة في تركيا. لقد اختزل اردوغان مطلب اللغة الكردية بحق تعلمها في المدارس الخاصة، وهو يدرك جيدا ان الذي يسيطر على هذه المدارس في تركيا هو حليفه التاريخي رجل الأعمال الشهير فتح الله غولين الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له ويقوم بتمول العديد من التيارات الدينية في تركيا والمنطقة، وهو هنا عندما أقر بحق التدريس في المدارس الخاصة لم يعترف باللغة الكردية كلغة أم لشعب له هوية قومية مختلفة عن القومية التركية وغير معترف بها رسميا ومحرومة من حق التعبير عن هويتها الفكرية واللغوية، بل ساوها بحق التعلم باللغة الفرنسية والانكليزية وليست كلغة أم للأكراد.
وإذا كان أردوغان طالب بحق ارتداء الحجاب، وهذا حق لكل من يريد، فانه أراد بذلك التعبير عن ايديولوجيته الحزبية التي تقوم على أسلمة الدولة والمجتمع بشكل تدريجي، ولكنه مقابل هذا الإصرار الإيديولوجي لم يذكر أردوغان أي كلمة تشير إلى الأكراد كقومية في البلاد ولا إلى مطالبهم التي تتعلق بإلغاء القوانين التي تمنع الاعتراف بهم دستوريا، فهو مثلا لم يشر إلى قانون ( الإرهاب ) وهو الوصف الذي تطلقه حكومته على النشاط الكردي الباحث عن المطالب الكردية القومية، وهو في سبيل ذلك أبقى على ميليشيات حماة القرى التي مهتمها هي محاربة أي نشاط كردي، كما أنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى إمكانية اطلاق سراح قرابة ستة آلاف كردي سجين بتهمة التعامل مع حزب العمال الكردستاني، وإلى رفع القيود عن الممارسة السياسية لمئات الشخصيات الكردية التي حرمت منها للأسباب نفسها..
كذلك لم يشر اردوغان لا من قريب أو بعيد على قضية الحكم المحلي والذي يعول عليها الأكراد للحصول على نوع من الحكم المحلي خاصة بعد النجاحات التي حققوها في مجمل البلديات في المناطق الكردية في الجنوب والشرق. واللافت في مجمل الإصلاحات التي أعلنها أردوغان انها تجاهلت القضايا التي وردت في خريطة الطريق التي تم الاتفاق بشأنها مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لتحقيق السلام الكردي التركي.
دون شك، تصريحات اردوغان هدفت إلى تحقيق أمرين. الأول : رفع الحظر عن ارتداء الحجاب بعد ان فشل في تمرير قانون في البرلمان بهذا الخصوص. والثاني: مخاطبة الأحزاب الصغيرة من أجل كسب ودها والتحالف معها في الانتخابات المقبلة مقابل دعم مالي بعد تراجع شعبية حزبه عقب انتفاضة تقسيم وتزايد المطالبة بالديمقراطية والتحذير من الممارسات التي تصب في الأسلمة على حساب الحريات الشخصية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي سيقول رئيس الاستخبارات التركية حقي فيدان ( الرجل المكلف من قبل اردوغان بالتوصل إلى اتفاق سلام مع أوجلان ) لأوجلان في السجن ؟ وما الذي سيقوله أوجلان لحزبه بعد اليوم من أجل الالتزام بالتهدئة من أجل السلام ؟ اصلاحات اردوغان كانت أكثر من مخيبة للآمال، وأغلب الظن أنها فتحت الباب أمام جولة جديدة من العنف الدموي، بعد ان عززت هذه ( الإصلاحات ) من قناعة الاكراد بأن جل حديث اردوغان عن السلام معهم هو في إطار المناورة والخداع وكسب الوقت لتحقيق أهدافه السياسية المتعلقة بالبقاء في السلطة وتمريد دستور جديد يعزز من حكم حزبه في المرحلة المقبلة.