لم تكن الميزانية الضخمة التي خصصتها تركيا لشراء الذمم وتشكيل لوبي خاص لدعمها كي تحصل على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي ذات جدوى، مثل عدم جدوى الميزانية المخصصة منذ سنوات لقبولها عضوة في الإتحاد الأوربي، فالدولة التركية ورغم بعض النجاحات التي تحققت على الصعيد الداخلي من مثيل تطور الصناعة والزراعة وتحجيم دور المؤسسة العسكرية وتحجيم المافياوات، ومحاولة ترسيخ القانون الا انها جنت الفشل الذريع على مستوى سياستها الخارجية، تلك السياسات التي اصطبغت بالطابع الشخصي لممارسات السيد رجب طيب اردوغان الرئيس التركي الإسلامي الإخواني المتميز بتطلعاته اللامحدودة لإعادة تحقيق الحلم الضائع المتبعثر (الدولة العثمانية)، فلقد تصرف الرجل بغرور غير معهود وتعامل باستعلاء غير سابق مع محيطه الإقليمي والدولي، إذ كانت مواقف حكومته مثيرة للجدل تجاه الأزمة السورية ومثيرة للجدل تجاه العراق وكذلك تجاه ما حدث في بلدان الربيع العربي (أو بلدان الفوضى العارمة ).
&ان منظر ومخطط وعقل السياسية الخارجية التركية (أحمد داود أوغلو- رئيس الوزراء حالياً) كان يخضع من وجهة نظري لأحد تقييمين، فإما ان الرجل ذكي للغاية وكان يدرك ما يفعل على مستوى الأداء الدبلوماسي لكنه كان خاضعاً لرغبة أردوغان الجامحة في تجميع كل القرار الدبلوماسي بيده كباقي القرارات، أو انه لم يكن يستقرأ المستقبل ولم تكن رؤيته المستقبلية فيما يخص المواقف الدبلوماسية الدولية رؤية متكاملة وسليمة... وإلا فان هذه النكسة ليست بمريحة ولا بهينة لتركيا التي تعرضت لصدمة لم تكن في حساباتها، بل كان الغرور قد جعل من أنقرة تنظر الى نفسها باستعلاء غريب ومثير في عالم متغير جديد لا يتناغم مع التطلعات غير المحدودة والرغبات الجامحة للسيد رجب طيب أردوغان الحالم باعادة بناء الأمجاد على غرار القادة التاريخيين، تلك التطلعات والرغبات التي جعلته يقع في شرك أخطاء قاتلة وها هو بدأ يجني ثمار تلك السياسات، ودون أدنى شك سيكون مسلسل النكسات بالنسبة لتركيا طويلاً مثيراً وسيصل المتتبع الى رؤية مشاهد مثيرة فيما يخص السياسات التركية في عصر اردوغان والتي تسببت الى حد ما في إحداث إضطرابات خطيرة في الدول الإقليمية المحيطة بتركيا وجلبت وستجلب مشاكل جمة لتركيا على المستوى الداخلي أيضاً.
&الفارق في عدد الأصوات بين تركيا واسبانيا للحصول على المقعد هو 72 صوتاً، أي ان اسبانيا حصلت على 132 صوتاً مقابل 60 صوتاً لتركيا، وهنا يصل المرء الى استنتاج مفاده مقدار وحجم المشاكل التي تعانيها تركيا مع كثير من الدول، فحتى الدول الاسلامية التي كانت تركيا تعول عليها لتبوأ المقعد غير الدائم في الأمم المتحدة وضعت تركيا في موقف لا يحسد عليه، هذه المواقف من هذه الدول المسلمة لا بد انها نتجت وتأتت في الفترة الأخيرة بسبب الالتباس في موقف تركيا من الحملة الدولية على تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، ودون أي شك أيضاً فان الرد والموقف التركي على الأحداث في العراق وسوريا كان له دور كبير في تعرضها لهذه النكسة، التي لم يستطع وزير خارجيتها مولود جاووش اوغلو تدارك الوضع وحشد الدعم بعد أن أوفدته أنقرة الى نيويورك في اللحظات الأخيرة.
&ان المقارنة بين عامي 2009 و2010عندما تم انتخاب تركيا بغالبية 151 صوتاً لعضوية المجلس وبين ما حدث في اكتوبر 2014 ونكسة تركيا الأممية وتعرضها لإحباط لم تتوقعه تشير (اي المقارنة) الى ان تركيا انذاك كانت بلداً مسلماً نموذجياً معتدلاً ومنفتحاً، لكن الآن الوضع اختلف ولم يبق على ما كان عليه واصبح العالم ينظر الى رئيسها السيد رجب طيب أردوغان على انه يتجه الى مزيد من السلطوية ويطمح في كثير من المجد...!
ان الآتي والقادم من الأيام سيكون حاملاً للمفاجاءات بالنسبة لتركيا كونها الآن في مأزق كبير وأصبحت محل ريبة وشك وانعدمت الثقة بها بسبب مواقفها من تقدم التنظيمات المسماة بـ (الجهادية)، وكذلك مواقفها من احياء عملية السلام في الشرق الأوسط، أما على المستوى الداخلي فقد بدأت أصوات المدافع وأزيز الطائرات وقرقعة البنادق تدوي من جديد في جنوب شرق الأناضول بعد ان انهار وقف اطلاق النار وبدأت العمليات العسكرية بين حزب العمال الكردستاني PKK والجيش التركي على خلفية مواقف تركيا الغريبة والشاذة من أحداث وحصار كوبانى الكردية السورية، وقبلها موقفها الغريب والشاذ والمريب من هجوم داعش على سنجار وباقي المناطق الكردية في العراق وارتكابه للفظائع... الآن تنظيم YPG (وحدات الحماية الشعبية الكردية) الجناح العسكري لـ (PYD) الموالي لحزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله اوجلان بدأ يحصل على الدعم الجوي والعسكري واللوجستي الأميريكي في موقف لم يكن في توقع الكثير من المحللين بسبب الموقف التقليدي للولايات المتحدة الأميريكية من حزب العمال الكردستاني... وهكذا فقد رأت تركيا الآن نفسها في وضع لا يحسد، وسيتعقد وضعها أكثر وسيتلاحق مسلسل النكسات التركية بسبب نمطية التفكير لدى السيد أردوغان وحزبه الاسلاموي الطامح الى تحقيق الخيالات والأحلام التاريخية.
التعليقات