يمر العراق بأزمة بنيوية حقيقة تهدد كيانه ومستقبله كدولة موحدة وشبح التقسيم والتشرذم على الابواب فالتناقضات الاجتماعية والتناحر الطائفي والصراعات القومية تزداد عمقا وتزداد الهوة بين مكوناته الاساسية اتساعا بالإضافة الى وقوع قرابة ثلث العراق تحت سيطرة القوى الارهابية وما ترتب على ذلك من نتائج مأساوية على المستوى الداخلي وأخرى كارثية من ناحية التدخل الاقليمي والدولي وتصفية الحسابات الاقليمية على حساب مستقبل العراق وحياة ابنائه مع تفشي الفساد المنظم وتعاظم دوره في تحطيم وتدمير البقية الباقية من هيبة الدولة ومؤسساتها مما يذكر برائعة معروف الرصافي (علم ودستور و مجلس امة كل عن المعنى الصحيح محرف.....كثرة دوائرها وقل فعالها كالطبل يكبر وهو خال اجوف).

هذه هي التركة الثقيلة التي ورثتها حكومة السيد حيدر العبادي داخليا والعزلة والانقطاع الشبه تام عربيا و المشاكل المستعصية مع اقليم كوردستان العراق في ملفات النفط والبيشمه ركه والميزانية وحدود الاقليم وتنازع الاختصاص القانوني والصلاحيات بين الادارة الاتحادية وسلطات الاقليم اخيرا.

ما سبق لا يمكن معالجته بالتمنيات والنيات الحسنة رغم اهميتها و انما تحتاج الى توافق وطني تفصيلي يحدد المشاكل والمعوقات و اسبابها ويضع الحلول الواقعية لمعالجتها الامر الذي يعني ضرورة التوصل الى عقد اجتماعي جديد بين المكونات الاساسية في العراق دون تهميش او اقصاء او ابعاد او اجتثاث وبدون مثل هذا العقد الواضح المعالم والبنود فان البلد ينزلق بسرعة نحو التقسيم الذي لا يرتضيه اي طرف على الاقل لحد الان.

لقد اثبتت التجربة المريرة التي عاشها الشعب العراقي خلال العقد المنصرم لا فقط استحالة الغاء اي من مكوناته الرئيسة والتي تعارف الاعلام على تسميتها بالعرب السنة والعرب الشيعة والكورد وبقية المكونات الاثنية والدينية الاخرى ايضا و انما سحبت العراق الى الوضع الخانق المأساوي الحالي على اشلاء من الجثث والضحايا و الدمار الشامل الذي لم يستثني اي مكون و اي مكان فيما يقترب وصف الحالة بالحرب الاهلية الشاملة.

ان اي مشروع جاد لعقد اجتماعي مقبول من كل الاطراف لابد وان يبدأ من الاحصاء السكاني للبلد الذي سيظهر بجلاء الحجم الحقيقي لكل مكون بعيدا عن الغلو والمبالغات والإحصاءات غير الدقيقة التي يتبجح بها هذا الطرف او ذاك والتي على اساسها المبالغ فيه يتم تقاسم السلطة والثروة دون وجه حق.

ايضا لابد من مصالحة وطنية حقيقية والانتهاء من مرحلة المجاملات المزيفة وسياسة تبويس اللحى الكاذبة فالجميع حتى الان متضرر من الوضع الذي ال اليه البلد الذي بني على اساس ثقافة الانتقام وإلغاء الاخر و ما تبع هذا من إجراءات قانونية و مواقف سياسية وانقسام اجتماعي مرير و اي مصالحة حقيقية لن يكتب لها النجاح ما لم يكن هناك الية محددة و سقف زمني للتنفيذ و ضوابط قانونية و اخلاقية على اساس ضمان المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات وتعزيز الهوية الوطنية وتأخذ بنظر الاعتبار موضوعات التعددية الثقافية واحترام خصوصية اي مكون مستفيدة من قوة الاتحاد الاختياري الذي اثبتت التجارب العديدة نجاحه على عكس الاتحادات القائمة بالقوة والجبروت والعقب الحديدية خاصة والدستور العراقي رغم ما له وما عليه اقر النظام الاتحادي الذي يتيح مجالا رحبا للإدارة الذاتية الى جانب الشراكة الفعلية في صياغة القرار الرئيس الذي يخص عموم البلد و موارده الاقتصادية.

امام السيد العبادي و حكومته حقا فرصة اولى وأيضا اخيرة لتصحيح مسار العملية السياسية والتجربة العراقية والمشروع الديمقراطي الوليد خاصة مع الاجواء الايجابية التي رافقت تشكيل هذه الحكومة قبل حدوث الكارثة التي تطرق الباب العراقي وعلى الاطراف السياسية الرئيسة ايضا ان لا تتوانى في تقديم التنازلات لبعضها البعض قبل ان تضطر الى تقديم التنازلات للقوى الاقليمية والدولية واستجداء عطفها ومعوناتها المعروفة النتائج مسبقا والتي في التحليل الاخير لن تكون في صالح العراق وأهله كما لم تكن كذلك ابدا هذا اذا كان هناك من يريد بعد بناء عراق ديمقراطي تعددي يضمن حقوق المواطنين ومستقبل الاجيال القادمة ويكون عنصرا فاعلا في التصدي للإرهاب العالمي و احلال السلام والطمأنينة في المنطقة.

*[email protected]

&