لا تخفي الإدارة الامريكية دعمها لحيدر العبادي منذ أن رحبت به رئيسا للحكومة العراقية، بعد عامين من عدم الرضا الامريكي تجاه السياسات الحكومية.
فقد أغضب الامريكيين الوضع خلال الدورة الماضية، ليس فقط بسبب الموقف حول سوريا، ايضا لأن رئيس الوزراء السابق فرّط بمكاسب تركوها له، وعلى رأسها تجربة الصحوة كمدخل مهم للمصالحة. وخسارة المالكي لكل الشركاء يتعارض مع توجهات الولايات المتحدة الباحثة عن التوافقية في العراق. في حين انها لسنوات دعمته، ففي الولاية الاولى وبداية الثانية، سارت ادارة اوباما على خطى سابقتها في الوقوف مع الحكومة العراقية، وتحفظت على محاولات سحب الثقة في 2012.
تخلى رئيس ائتلاف دولة القانون عن داعميه، نزولا عند ضغوط ايرانية من جهة، وبفعل سياساته المعتمدة على التصعيد والثقة الفائقة بقدراته المستقلة عن الادارة الامريكية من جهة أخرى. سياسات المالكي مع واشنطن كثيرا ما اتسمت بالتصلب أو كما قال رئيس اركان الجيش الامريكي في الكونغرس "المالكي كان صعبا"، وفي أحيان أخرى كانت "تشاطرا" على واشنطن، وهي محاولة غير موفقة لا تنسجم مع ما يمتلكه العراق او عمليته السياسية من امكانيات في قبالة الدولة التي خلقت هذه العملية وساعدت كل الوجوه السياسية لتكون في السلطة.
اليوم، يُقدم الدعم للعبادي وحكومته، بالقرارات الدولية فيما يتصل بالحرب على داعش، او بالضغط على الدول المعنية لفتح باب التواصل مع العراق، او بذات التأكيدات التي حصلت عليها الحكومة بين (2006 ـ 2010). وهناك امر اضافي: ان الامريكيين يقفون خلف الكثير من الاجراءات المتخذة مؤخراً لتصحيح ما يريدون تصحيحه.
قبيل تشكيل الحكومة، وبعد ان طرح العبادي كمرشح لرئاسة الوزراء، بدأ نائب الرئيس ووزير الخارجية الامريكيين وسفارتهم في العراق تحركات للضغط على الفرقاء للإسراع في تسمية الكابينة الوزارية، وليس مستبعدا ما يقال ان الحكومة لم تكن تشكل لولاهم، وايضا ان الاجراءات المستعجلة التي شهدها مجلس النواب في يوم التصويت حصلت استجابة لرسالة امريكية شملت الكتلة الكردية "لابد من التصويت هذا اليوم".
والتغييرات العسكرية المستمرة منذ حلّ مكتب القائد العام للقوات المسلحة، تجري برعاية ومشورة امريكية ايضا، وقرار ارجاع مقاتلي الحشد الشعبي خلف الجيش في المعارك ضد داعش هو الآخر حصل بناء على ارشادات أمريكية بعد استعادة جرف الصخر وتراجع المخاوف الشيعية من تهديد بغداد وكربلاء... وارسال الخبراء العسكريين يأتي لتأكيد حضور مباشر في عملية اعادة تشكيل الجيش، وايضا للإشراف على آليات التعاطي مع الحشد الشعبي والبيشمركة وتشكيلات العشائر التي يفترض ان تُكوّن مع بعضها الحرس الوطني، كما نصت ورقة الاتفاق السياسي.
الدور الامريكي المتركز حالياً في الجانب الامني والعسكري، يستمد دعمه والى حد ما شرعيته، من الحشد الدولي ضد داعش، ويُبرَر بأن الجيش العراقي بعد ما حصل في الموصل وكركوك وصلاح الدين، فشل في مهمة الدفاع، وان تطوير قدراته مهمة بناة الجيش الاصليين، اي الامريكان. لذلك ان حكومة العبادي الى جانب حصولها على الدعم الامريكي السياسي، فهي تخضع لاستحقاقات في الجانب العسكري، قد تؤدي الى تغيير واسع في هيكلية القوات العراقية وتكويناتها.
الى الان يقدم العبادي ايقاعاً متناغماً مع الجانب الامريكي دون المساس بالدور الايراني، ربما لأن الامريكيين والايرانيين يعتمدون على اتفاق او تنسيق في الحرب على داعش، لذا ان التحدي سيكون كبيراً اذا ما حصلت اختلافات بين النفوذين، عندها نعرف ما اذا كان رئيس الحكومة سيكرر خطأ سلفه، ام يجد لنفسه مسارا وسياسة أخرى.