التحركات والسفريات المتعددة في وإلى المنطقة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي quot;جون كيريquot; أنتجت شفويا وفي أذهان العديدين خاصة في الأردن ما أطلق عليه (خطة كيري للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين)، وهي خطة تعتمد على تسريبات شفوية من مصادر متعددة، دون وجود ورقة مكتوبة تمّ طرحها من قبل quot;جون كيريquot; أو اتفاق طرفي الصراع على التباحث حولها، فجولات كيري تطرح أفكارا أمام كل طرف يقوم بمناقشتها أمام الطرف الآخر..وهكذا دون طرح رسمي ونهائي لخطة ما حتى اللحظة. هذا في الواقع أمّا في أوساط المجتمع الأردني السياسية والحزبية تحديدا فقد تمّ استنفار وتعبئة لم تشهد القضية الفلسطينية مثل هذه الحشد دعما لها أو القدس في مواجهة التهويد التي يطالها ويزحف نحوها منذ سنوات عديدة، ولم يعرف الحشد التعبوي سوى بيانات خطابة بلاغية إنشائية. وأهم أفكار التسريبات الوهمية التي خلق منها التحشيد الأردني الشعبي والحزبي وهما أوصلوه لحد الحقيقة الواقعة المؤكدة على الأرض هو:

الوطن البديل
الذي يعني استنساخ التجربة الصهيونية التي قامت باحتلال الوطن القومي التاريخي الفلسطيني لإقامة quot;دولة إسرائيلquot; عليه، بحكم القول الصهيوني الشائع ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ). ويطرح التحشيد السائد في الأردن عن خطة العم كيري بأنّه يريد اقامة الدولة الفلسطينية فوق أرض الأردن بحكم أن نسبة عالية من مكونات الشعب الأردني تعود إلى أصول فلسطينية، وهذه مسألة قانونية عالمية ممارسة في العديد من المجتمعات دون أن يصاحبها هذا التخوف والحذر، فهولاء الأردنيون من أصول فلسطينية لم ينزلوا على الأراضي الأردنية خلسة من مجرات فضائية غير معروفة، بل هم أردنيون..أردنيون منذ أنّ تمّ توحيد الضفة الغربية لنهر الأردن مع الضفة الشرقية للنهر، تحت اسم (المملكة الأردنية الهاشمية) عام 1950 وحتى عام الهزيمة النكسة عام 1967 كان الأردنيون من كافة المنابت والأصول يشاركون في الحياة السياسية و البرلمانية بدون تفرقة أو حساسية. وفي العام 1988 قام المرحوم الملك حسين بإصدرار قرار فك الارتباط بين الضفتين بناءا على طلب وإلحاح منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة أنّ هذا القرار من شأنّه تعزيز الهوية والكيان الفلسطيني الطامح لإقامة دولة فلسطينية على الأقل ضمن حدود عام 1967 . وبعد هذا القراراستمرت الحياة السياسية والبرلمانية يشارك فيها الأردنيون بغض النظر عن أصولهم ومنابتهم، وعادت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للقطاع والضفة بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وهاهي الأوضاع مع وتحت الاحتلال مستمرة كما هي، ورغم مرور حوالي عشرين عاما على توقيع اتفاقية أوسلو وعودة قيادة المنظمة للضفة والقطاع، إلا أنّه لم يتمّ في أرض الواقع الأردني أية خطوة من شأنّها ان تكون تمهيدا لفزاعة الوطن البديل.

هل من الممكن إقامة الوطن البديل؟
أرى أنّ هذا المشروع الوهمي لا وجود له إلا في أذهان المتطرفين اليهود وبعض المتطرفين من الكتاب والسياسيين الأردنيين الذين هم أكثر حقدا على المكون الفلسطيني. لماذا؟ لأنّ وهم الوطن البديل لا يمكن أن يصبح حقيقة إلا إذا تحققت له حالتان:
الأولى: بيع وتخلي الشعب الفلسطيني عن وطنه التاريخي المحتل ونسيانه لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
الثانية: خيانة الشعب الأردني لوطنه ودولته وتقاعسه في الدفاع عنها إزاء هذه المحاولات والمشاريع الخيانية الصهيونية.

وتحقق هاتين الحالتين من المستحيلات التي لا يمكن النقاش فيها أو الجدل حولها، وبالتالي فمشروع الوطن البديل مجرد وهم لدى البعض وفزاعة لدى البعض الآخر يعلقون عليها أهدافا خاصة بهم وينفسّون من خلالها عن أحقاد شخصية يحملونها لأسباب ذاتية لا تشكّل مكوّنا اجتماعيا أردنيا عاما.

لذلك فليتوقف هذا اليمين عن بث الفتنة المجتمعية ويتفرغ،
لحل مشكلات واقعية حقيقية تهدّد حياة المواطن الأردني وفي مقدمتها: الغلاء، البطالة، العنف المجتمعي الذي أصبح علامة مسيئة خاصة في الجامعات الأردنية، و أخيرا ظاهرة اللاجئين من الأشقاء السوريين الذين أوصل بطش نظام الأسد عددهم في الأردن إلى ما لا يقلّ عن مليون وثلاثمائة ألف لاجىء، مما يرتبّ على الأردن أعباءا اقتصادية ومجتمعية ستظل عبئا على كاهل المواطن الأردني وشقيقه اللاجىء السوري مهما بلغ حجم المساعدات الدولية التي لن تصل لمستوى تحقيق الحياة الكريمة للمواطن الأردني وشقيقه اللاجىء السوري، الذي كافة المعطيات السورية والدولية توحي بدلائل عديدة أنّه لجوء طويل الأمد سواء في الأردن أم لبنان أم تركيا، بدليل أن تركيا الدولة الأقدر بنسبة عالية من الأردن ولبنان اقتصاديا، أقفلت الباب منذ حوالي سنتين في وجه اللاجئين السوريين، بحيث أنّ عددهم في تركيا لا يزيد عن مائة ألف بينما هم في لبنان قرابة ثمانمائة ألف لاجىء.

التخوف أنّ بعض اليمينيين العنصريين من الكتاب والسياسيين الأردنيين بعد اقفال مزاد وفزاعة الوطن البديل للفلسطينيين، أن يجدوا فزاعة ووهما جديدا هو التخوف من اقامة quot;دويلة سوريةquot; في شمال الأردن حيث غالبية اللاجئين السوريين!!!. توقفوا عن هذه الأوهام والفزاعات الكاذبة التي لا أساس لها، وتفرغوا لحل المشكلات التي تهدّد ما حقّقه هذا الوطن الأردني من منجزات طوال القرن الماضي، كي ينعم المواطن الأردني من كافة المنابت والأصول بحياة حرّة كريمة تليق به في كافة المناحي التعليمية والاجتماعية والسياسية.
www.drabumatar.com