كمقدمة، ومع قرب الأنتخابات العراقية، فأنه لايمكن لأي باحث متابع مستقل الأعتماد على نشرات أِخبارية تصدر عن كتل سياسية خاضعة وممولة من المرشحين أنفسهم، وهي بمجملها غير مفهومة الغرض والغاية من ترشيح البعض أنفسهم مرة أخرى، وأعتزال الأخرين quot; مرة أخرى quot;و أرغام وأبعاد المشتبه بهم quot; مرة أخرى quot;، ورغم فشل الجميع في سباق التعهد لأهل العراق في وأد الفساد المالي وقطع دابر الأرهاب. السنوات التي مرت أوضحت مساهماتهم في التغطية على فرسان الأختلاسات المالية وأمراء الأرهاب بتقديم حجج واهية لا قيمة عملية لها ولكونها تتضمن عروض ترضية و وعود جربها أهل العراق بمرارة وتضحية وألم.
رؤساء مجلس النواب العراقي الذين تعاقبوا على الرئاسة بداية من محمود المشهداني 16 مارس 2006 23 ديسمبر 2008. جبهة التوافق العراقية وأياد السامرائي 19 أبريل 2009 14 يونيو 2010 جبهة التوافق العراقي. ومحمد فؤاد معصوم (بالنيابة) 14 يونيو 2010 11 نوفمبر 2010 التحالف الوطني الكردستاني، لم تحقق أنجازاً يُذكر. وتلاهم أخيراً، رئيس مجلس النواب الحالي السيد أسامة النجيفي 11 نوفمبر 2010 حتى الآن 2014.
أنضم السيد النجيفي الى القائمة العراقية للوصول الى رئاسة مجلس النواب على أكتاف أئتلاف القائمة العراقية و رئيسها علاوي وأعضائها، ثم أطلق منها تشكيل أئتلاف (متحدون) ليكون رئيساً، ورافقت عهده رائحة الفساد المالي و التمويه عليها وتبادل الأتهامات في الفضائيات ضد أداء حكومة المالكي، وكان آخرها مانشرته أيلاف يوم 14 أبريل 2014 في خطاب جديد قال فيه quot; أن الشعب العراقي لم يحصد مِن مَركَبِ الشراكةِ الوطنيةِ quot;غيرَ قَعقَعةِ السِّلاحِ ولغةِ الدَّمِ وثقافةِ الانتقامِ والشَّحنِ الطائفيِّ والإسقاطِ المُبَيَّتِ والانسانِ المُهَجَّرِ والمُشَرَّدِ بفِعلِ الإرهابِ والميليشياتِ وعرباتِ الفسادِ والمفسدينَ الذينَ نهبوا حتى رَغيفَ الخبزِ وملعقةَ العدسِ من أفواهِ الجياعِ الفقراءquot;وأشار إلى أنه quot;كانت مِن علاماتِ حكومةِ الشراكةِ الوطنيةِ أنِ استَفرَدَ رئيسُها بالقرارِ ورَكِبَ رأسَهُ، فكان الصّانِعُ الأوّلُ للأزَماتِ التي ما أن تَنفَرِجَ إحداها، حتى يُهرعَ إلى صُنعِ أزمةٍ جديدة quot;
والحقيقة أن المجلس النيابي في عهد السيد النجيفي فشل كلياً في تبني أي تشريع وطني صادر عن السلطة التشريعية التي يرأسها، للمحاسبة الحقيقية، الأمر الذي أدى الى أزدياد فضائح مالية شملت أعضاء في البرلمان والبنك المركزي العراقي ووزارة المالية، وفشل ستوارت براون المفتش العسكري الأمريكي العام في تدوين سجل أختفائها وأعتبر فقدان مبلغ 6.6 أكبر سرقة في التاريخ الوطنيquot;.
*Stuart Bowen, special inspector general for Iraq reconstruction, said the missing $6.6 billion may be ldquo;the largest theft of funds in national history.rdquo;
كما أن النجيفي فشل في يوميات أتهاماته وحملاته على المالكي، التنسيق مع السلطات التنفيذية في تعريف الأرهاب والأشارة الى زمره بدقة بعد كل هذه السنين. فما هي جهة الأرهاب؟ quot; الشيعة، فيلق القدس، مليشيات شيعية، عصائب الحق، الحركة الصدرية، المجلس الأسلامي quot;، ولم يبدأ أطلاقاً التنسيق الذي يبعد اعداء شعبنا من التفرقة وشرور البعثیین واللصوص ومساندی داعش والقاعدة وتهريبهم من السجون. وفشله في التنسيق مع السلطة التنفيذية والقضائية تظهر للعيان حدة خلافاته الشخصية مع المالكي وتعطيله عمل البرلمان لشهور عديدة بحجج واهية لم تحفظ لأهل العراق أستقرارهم النفسي والألفة الأجتماعية وحقوقهم المالية المهضومة وضمانها بتشريع خدمي، وهو عهد جديد لم تألفه الحياة السياسية النيابية لطرق الفساد في أي من دول العالم.
تصوري كباحث سياسي هو أن السلطة التشريعية التي أنابها لهم الشعب بالانتخاب الحر يُفترض أن تعمل لارضاء متطلبات الشعب وخدمته ونشر ثقافة بناء الدولة بصفة المواطنة وليس لارضاء رئيس المجلس وخدمته. ونفس الشيئ يقال عن السلطات التنفيذية والقضائية. والخطأ الأكبر الذي مازال يعوق أي عمل صائب هو تصرفات أعضاء الكتل بتفضيل أهواء رؤوسائهم ( على أختلاف معتقداتهم المذهبية والقومية) وأشباع نزواتهم وجشعهم برواتب وأمتيازات والسكوت على أختلاسات لم يعرف العالم لها مثيلاً.
وللأمانة، فأن خبر تسريب الأختلاسات تُنقل وتُنشر من خارج العراق الى داخله قبل أن يكشفها أعضاء مجلس النواب للشعب، ويقومون بذكرها بعد أن يتسرب الخبر عبر النيويورك تايمز والواشنطن بوست ويونايتد برس والأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية، وكأن هذه السرقات ليست معروفة لهم داخل المجلس النيابي وهم المتحدثون عن الشفافية. ولم يعد مستغرباً في عهد النجيفي أن الذئاب تتكلم بأسى وحنان عن فقدان دجاج من حقل الدواجن و( الجميع ) ماضون في التعليل والتبرير واللوم بالتراشق الأعلامي والتغطية على من سيحاسب أولاً وضرورة المحاسبة ومن أين تبدأ وكيف ومتى.
ولم تقلل من الأكاذيب والتراشق الأعلامي، مناورة ملتقى بغداد الدولي لمحاربة الفساد التي تبناها أئتلاف النجبفي (متحدون) الاربعاء (9 نيسان 2014)، بالتعاون مع البرنامج الانمائي للامم المتحدة، ولن يكون لهذا الملتقى غير الأشارة الى الأزمات والأختناقات والأختلاسات والتغطية على المنتفعين، ويعرف أهل العراق أن هذه الأجتماعات ( لاتحل ولاتربط) وغرضها تمرير الأرضاءات وأشباع الغرائز وجمع المنتفعين في حقل واحد وتوقيته لخدمة كتلة.
كما أن المناورة الأخيرة لأحتضان النجيفي وقائمته ( متحدون) لمقتدى الصدر وعمار الحكيم لتشكيل إئتلاف جديد، يُمكّنه من الوصول الى أعلى السلطات ودعوته ومباحثاته لأدخال عديمي الخبرة السياسية ممن تتعارض معرفتهم فيها مع واجباتهم الدينية، فذلك قمة الانتهازية والمرواغه للنجاح في الانتخابات وتخريب الأئتلاف وزيادة الفرقة بين حزب الدعوة والكتل الشيعية الأخرى. والحقيقة أن من يعتقد بالأهمية الروحية للأسلام عليه أن يبتعد عن الفساد الذي سببه بعض قادة المنابر الدينية، وعلينا حثهم على العودة إلى شؤون المسلمين الأخلاقية وتدبير أمور المؤمنين ورعاية الفقراء والمحتاجين في المجتمع والحث على الكلمة الطيبة الصادقة والتبرع للأعمال الخيرية. فالنجيفي يجيد المراوغة الكلامية، ومناوراته التي لها نكهة تأجيج الخلافات الطائفية والنفخ في الفرقة المذهبية والقومية والتي سببت في عهده النيابي إحراجاً لشخصه وجعلته يهرع الى أربيل لعقد أجتماعات المجاملة النيابية مع القادة الكرد، مع أن الكرد لهم ممثلوهم في بغداد (مقر مجلس النواب العراقي) يعرفون تماماً السجل السياسي والفكري للنجيفي ولايستطيع جرهم أو خداعهم لخدمته.
الطبيعة الأجتماعية لأهل العراق هي الخنوع للمختلس الى حين كشفه والانتقام منه في ثورة أو هيجان فوضوي، والأمر المؤسف لهذه الطبيعة البيئية العشائرية أنها موجهة و يقوم بتأجيج هيجانها قادة كتل داخل الدولة ضد الدولة ومؤسساتها كما حصل في الأنبار وصلاح الدين وديالى، ويتجاهل قادة هذه الكتل تماماً مسؤولياتهم ويناقضوها في عدم اللجوء الى القضاء وروح القانون وحماية حقوق الناس والمتهم بينهم في محاكمات عادلة لأسترجاع الحقوق وكشف الأختلاسات و الودائع و الحولات التجارية وعمليات تحويل الأموال من حساب الى حساب بالطرق الغير مشروعة.
أهل العراق كانوا ومازالوا، مع أي سلطة وطنية (شيعية، سنية،كردية تركمانية، مسلمة أو مسيحية) وخاصة أذا كان غرضها الأساسي الأول أرجاع المسروق والمختلس بالفعل( بفعل القوانين القضائية وأستجواب الأسماك الصغيرة عن سرقات تجاوزت 33 بليون دولار أمريكي) وبفعل مذكرات أستدعاء ملزمة، للوصول الى الأسماك الكبيرة والأبتعاد عن الحديث والتصريح المثير بأخضاع الفضائيات والصحافة لحل أزمات مالية و أختلاسات،غرضها، ترك الأسماك الكبيرة تعيش بلا رادع. هذه المناورات المكشوفة تظهر للملأ بعد أن أسقطوا العراق كدولة وأسقطوا شعبه وأعادوا أبنائه الى واقِعهم البدائي العشائري والعشائرية في تضارب مشين لأختصاصات نيابية عراقية ممن أعتبر نفسه محصناً دستورياً وبتدخّل أمريكي مباشر، وشارك أصحاب هذه الأختصاصات في فنون النهب التي تفوق خداع المافيا الأيطالية ودورها.
المقصود هذه السطور البحث عن أسباب قيام السيد النجيفي :
أ- بتضّيق الخناق على أي هيئة تحقيقية للوصول الى المسببين والمحتالين لمحاسبتهم بعدالة مع أنه أول من يدعو أليها نهاراً ويعارضها مساءاً.
ب - بأسقاط هيئة النزاهة وأستقلاليتها وأثارة الشبهات والتحقيق مع رؤوساءها وزيادة تكثيف الشكوك والغموض بأسباب سقوطها المشابهة لعمليات المافيا وتهديدها للقضاة والسلطات التحقيقية. فقد ترأس هيئة النَّزاهة، خلال وجودها، أربعة رؤساء: القاضي راضي الرَّاضي، وعزل بظروف غريبة، القاضي موسى فرج، تم أخراجه لتهم غامضة، ثم ترأسها القاضي عبد الرَّحيم العگيلي، 2008 ndash; 2011، متهم حالياً، وبعده تولى الأمر نائبه، ولايُعرف حالياً دور المتحدث باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار البيرقدار الذي أصدر أمراً شجاعاً بأستبعاد 15 مرشحاً من الأنتخابات القادمة في عموم البلاد quot;أربعة منهم أعضاء في مجلس النواب الحالي ووزير مستقيل هارب حالياً خارج العراقquot;. كما أظهر رأياً قضائياً يتم عن معرفة بما يجري بالقول أن (قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013quot; شرعه مجلس النواب ونص في الفقرة الثالثة من المادة الثامنة على شقين غير متلازمين وهما شرط (حسن السيرة والسلوك وعدم الحكم بجريمة مخلة للشرف)، الا ان الهيئة القضائية عدّت إن افتقار المرشح لأحد هذين الشرطين كاف لأستبعاده، موضحا ان quot;الأحكام لم تصدر بسبب الحصانة التي يتمتع بها من وجهت إليه هذه التهم باعتباره عضو مجلس نواب، رغم أن مجلس القضاء الأعلى طالب منذ فترات زمنية طويلة برفع تلك الحصانة لتمكين القضاء من الوصول إلى الحقيقة القضائية، إلا أن مجلس النواب امتنع عن ذلك.quot;
ج- بتضييق الخناق على القو ات العراقية المسلحة وأحباط معنوياتها ومنعها عن واجب محاربة زمرالأرهاب وتحييدها بوجه الوقوف ضدها بقوة، في الوقت الذي يعزى كل عمل إرهابي وفشل حكومي إلى إيران.
د- بالاعتراف بأن خصوصية مكافحة الفساد والسرقات التي يشير أليها هي من أختصاص هيئات قضائية ولجان تحقيقية وليست من أختصاصه، وأن عمل هذه الهيئات قد يأخذ أشهراً، والدعوات النيابية من قبل النجيفي أو الاطراف الدينية الشيعية والسنية والكردية في مجلس النواب والحديث عنها لاتعني الكثير، لأنها لاتُنهي، تمنع، أو تسترجع أموال تم تهريبها وينبغي أحالتها الى القضاء وأستقلاليته. أما انتقادات بعضهم رغم حدتها كتصريح أحدهم quot;أما الفساد المالي والاداري فحدث ولا حرج quot; فهي دعوة لها قيمة أخلاقية لنزاهة وأخلاص غير موجود أصلاً ووعود مضللة بنظافة اليد دون أن يرافقها مذكرات قضائية للأستجواب.
فالعراق اصبح واحداً من اكثر بلدان العالم فسادًاquot; نتيجة مجالس نيابية كهذه، وللجانب المأساوي لحروب العراق عام 1980، 1991، 2003، تركَ و أضاف الجانب الخفي لفساد المجتمع والجانب الخفي للربح وسيطرة المافيا المالية على خزائن العراق.
منذ سقوط راية البعث وحوار مجلس النواب العراقي عن الأختلاسات، نرى أن التحقيق الأعتيادي لم يبدأ بعد بالطرق النظامية الصحيحة. ومذكرات قضائية مناسبة لأختلاسات وفضائح مالية لم تصدر بعد، لأسباب معروفة تتعلق بالخوف والرهبة من أقتصاص وأزاحة من يصل الى ملفاتها ويطال المحقق وأسرته ويختفي مع ملفاته الأثباتية.
ونفس الشيئ يقال عن سرقة المتحف الوطني العراقي وقطع من كنوزه الأثرية التي لاتقدر بثمن، وهو الأمر الذي دفع بالباحث كولين فريمان Colin Freeman الى القول في 12 أذار 2014 أنه بعد عقد من الزمن، ورجوعاً الى الغزو المغولي منذ 5,000،سقطت بغداد مرة أخرى عام 2003، ضحية اكبر سرقة أثار، لم يُسترجع من 15,000 قطعة مسروقة أِلا النصف. معظم مظاهر وحالات الفساد ابطالها رجال أعمال مارسوا ادواراً سياسية وشاركوا مع مؤسسات أجنبية في التغطية على أختلاساتهم، وبدون مذكرات تحقيق وهيئة قضائية منتقاة بدقة لن يكون في الأمكان الوصول أليهم.
كاتب وباحث سياسي