يستعد الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي، إلى القيام بجولة إفريقية تقوده إلى أربع دول تنتمي إلى قارتنا السمراء، ثلاثة منها مجاورة لأقطارنا المغاربية، ورابعة بعيدة عن الديار، هي الغابون، عرف عن حكامها الفساد و الثراء الفاحش بفعل ثروات البلاد البترولية الهائلة التي يحرم منها شعب يعاني ويلات الفقر والخصاصة.&
ولا أحد يشكك في صواب التوجه نحو أسواق جديدة خصوصا في قارتنا العذراء المترامية، لكن مع المحافظة على ما بنيناه طيلة العقود الماضية من علاقات تعاون مع مختلف بلدان القارة العجوز وتدعيمه. فإفريقيا هي عمقنا الإستراتيجي، وتكثيف التعاون مع بلدانها حتمية تؤكدها الجغرافيا وتاريخ هذه الأرض التي كانت رائدة في مد جسور التعاون مع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء منذ العصر القرطاجي، حيث كانت لـ"تونس القديمة" مستعمراتها ومرافئها الممتدة من السواحل الأطلسية الشمالية للقارة وصولا إلى خليج غينيا وساحل العاج والكامرون.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ذلك المتعلق بالجدوى من زيارة إلى ربوع القارة يقوم بها رئيس ارتضى لنفسه أن يكون مجردا من الصلاحيات. ما هي الإضافة التي يمكن أن يقدمها المرزوقي إلى تونس في هذه الجولة التي يفترض في من يقوم بها أن تكون لديه القدرة على إبرام إتفاقيات التعاون التي تمكن المستثمرين التونسيين المفترضين من رجال الأعمال المرافقين أو غيرهم، من الإنتصاب في هذه البلدان في أفضل الظروف وبامتيازات جبائية وقانونية ملائمة؟ ألم يكن من الأجدى أن يقوم رئيس الحكومة صاحب الصلاحيات التنفيذية الواسعة بهذه الجولة مرفوقا برئيسة منظمة الأعراف ووفدا من رجال الأعمال حتى يتحقق الهدف المرجو من هذه الجولة؟
ولعل ما يزيد الطين بلة هو ذلك المبلغ الذي تم الإعلان عن رصده لهذه الرحلة وتحويله من خلال البنك المركزي إلى عملة صعبة والمقدر بمائة وسبعين ألف دينار. ألم يكن من الأجدى ادخار تلك الأموال أو رصدها للتنمية أو توزيعها على العائلات المعوزة في هذا الظرف الإقتصادي الصعب الذي تمر به بلادنا ونحن على أبواب شهر رمضان؟ أما كان السيد الرئيس قادرا على السفر من ماله الخاص، ومن راتبه المرتفع مقارنة بصلاحياته المحدودة، خاصة وأن الجولة ستكون بالنهاية فرصة له للراحة والإستجمام والتمتع بجمال الطبيعة الساحرة في رحاب القارة السمراء لا أكثر ولا أقل؟
إن جولة بمثل هذه الأهمية تقتضي أن يقوم بها رئيس سلطة تنفيذية قوي منتخب بالإقتراع العام المباشر من قبل عموم الناخبين وأن تكون له صلاحية "الإلزام والإلتزام" في علاقاته الخارجية، وأن يكون صاحب رؤية استراتيجية وفي جرابه برنامج عمل على المستويين المتوسط والبعيد. وأن يكون لديه طاقم من المستشارين الأكفاء وخبراء قادرين على التخطيط والبرمجة. وإلى أن يأتي هذا الرئيس مع الإنتخابات القادمة (أو لعله لا يأتي) وإلى أن تتركز مؤسسات الدولة الدائمة في تونس، فلكل حادث حديث.
&
- آخر تحديث :
التعليقات