إلتبس إسم كاتب المقال على بعض الطبالين والزمارين الذين يسبحون بحمد الدكتاتورية الحاكمة بمنتجع صلاح الدين ليل نهار. تصوروني في تعليقاتهم بأني من مرتزقة المالكي أو من القومجيين العرب حتى أفرغ حقدي على حكامهم الدكتاتوريين، فإنهالوا علي كعادة صغار النفوس بالشتائم والتخوين ووصمي بالعمالة، وتصوروا أنفسهم وكأنهم الملائكة المنزلين من السماء المدافعين عن الحق الكردي،وأن سيدهم الذي يغدق أضعاف ما يصرفه المالكي على مرتزقته من الكتاب والمستشارين هو المهدي المنتظر الذي سيوصل شعبه الكردي الى بر الأمان ويؤسس لهم دولة ستكون جنة الله على الأرض كما وصفها ذات يوم دكتاتور العراق صدام حسين، وهذا هو ديدن الدكتاتوريين على مر العصور، إطلاق الوعود المعسولة وفي النهاية تغرق دولهم بالدم والدموع.

منذ غياب الرئيس جلال طالباني القطب الثاني بحكم كردستان وإستسلام رفاقه لمشيئة وأوامر الرئيس مسعود بارزاني، أخذ حزب بارزاني يبسط سيطرته المطلقة على مقادير الأمور ومفاصل السلطة متصرفا بكردستان حسب رغباته ومزاجه، وإذا لا قدر الله وزج شعبه بأتون حرب مجنونة مدمرة لا تبقي ولاتذر،فإنه سوف لن يخسر إصبعا من أصابع أبنائه أو أحفاده ولا من عائلته وعشيرته الأقربين والبعيدين،ومن سيدفع الضريبة الباهضة بالنهاية هو ذلك البيشمركة البسيط والفقير الذي يجمع له مواطنو كردستان اليوم تبرعات وأموال الزكاة لشراء وجبة طعام بسيطة له وهو يرابط ليل نهار في هذا الفصل الحار واللاهب بجبهات القتال ليخوض حربا لا ناقة له فيها ولاجمل. فالحرب التي أعلنها بارزاني ضد الدولة هي حرب النفط وبيعه بأبخس الأثمان وإيداع إيراداته بجيوب العائلة المالكة وبحقيبة وزيرهم. هم عصبة يستأثرون بخيرات الشعب ويوزعونها على أفراد العائلة والأعوان ومستشاري السوء والمحسوبين وشرذمة من الطبالين والزمارين وشعراء الدربار.

لعلم السادة المعلقين أنا كنت أحد البيشمركة الذين شاركوا في ثورتي الشعب الكردي، وأصبت بثورة 1975 بجراح ما زلت أعاني منها لحد اليوم، وعارضت نظام صدام حسين بالقلم والسلاح لأكثر من ثلاثة عقود، فلا يزايد علي من كان يخدم بصفوف النظام البعثي السابق ويعتاش اليوم على فتات موائد السلطان وأعوانه. أنا والآلاف من أمثالي وآلاف أخرى من الشهداء الذين رووا بدمائهم أرض كردستان لم يضحوا لكي يعاني المواطن الكردي اليوم كل هذه المعاناة مع الفقر والمرض والعوز.

كنا نريد أن نبني بلدا يرتاح فيه المواطن الكردي بعد طول معاناة، ويعيش على أرضه بحرية وكرامة وعزة بعد عقود طويلة من التضحية بالدم والعرق. كنا نناضل من أجل أن نرد الجميل لهذا الشعب المعطاء الذي كان يحتضن البيشمركة ويخفيه بين حناياه من أيدي أجهزة النظام القمعية. كنا نناضل من أجل الأم الثكلى التي جادت بإبنها ولكنها اليوم تتسول لقمة العيش. ناضلنا من أجل الزوجة التي فقدت زوجها ويطمع فيها اليوم مسؤولو السلطة. كافحنا من أجل الفلاح والمزارع الذي كان يقطف تفاحة أو تينا ليطعمه للبيشمركة، ناضلنا من أجل أن ينعم رفاق السلاح بالحياة الحرة الكريمة بعد سنوات الكفاح.

من أجل هؤلاء ثرنا، وأردنا تحقيق الحرية لهم،,لكننا فقدنا الحرية المنشودة في ظل سلطة دكتاتورية لاتختلف عن بقية الدكتاتوريات في العالم.

مثل كل الدكتاتوريات أصبح لنا القائد الأوحد، يأمر حزبه ويتنمر على حليفه،ويتسيد على جميع القوى الكردستانية بدون إستثناء،ومن يخالفه سيقطع عنه الماء والخبز ويحرمه من حرية العمل السياسي وحق ممارسة النشاط، فقد ذبلت أحزاب وأحزاب لمجرد أنها خالفت أوامر الدربار.

المواطن يعيش اليوم في الظلام والقصور الرئاسية تنعم بالضياء.الناس تصوم ولاتجد هواءا منعشا يساعده على تحمل وطأة العطش والجوع،ونزلاء القصور الرئاسية ينعمون بمباذخ الحياة وأكثرهم مفطرون.

المواطن يعاني من أزمة وقود وتأتي الحكومة لتزيد الضريبة على هذا المواطن بتحميله زيادة إضافية بسعر البنزين.

مشاريع الخدمات متوقفة لأن الحكومة ليس لديها أموال، وبنوك تركيا وأوروبا تمتليء بالمال المسروق من عوائد النفط.

يهددون السلطة العراقية بالحرب وهم يستدعون البيشمركة القدامى من المتقاعدين الذي تجاوزت أعمار جميعهم الخمسين والستين، وفيهم المعوق والأعمى والمثقل بعشرات الأمراض من الضغط والسكر وضيق التنفس،بهذا الجيش تحاول قيادة كردستان أن تشن حربها على الحكومة الإتحادية.

وسط كل هذه المعاناة اليومية للمواطن الكردي تأتي هذه القيادة لتعلن للعالم أنها ستؤسس دولة مستقلة ولكن على خرابة، ولا تدرك بأن تأسيس الدولة ليس نزهة يقوم بها الرئيس لجبهات القتال محيطا نفسه بكاميرات التلفزيون لتصويره وهو ينظر بالمنظار العسكري الى خطوط المواجهة الوهمية.

صحيح أن المواطن الكردي مثله مثل المواطن العراقي إعتاد وجبل على الرضوخ والإستسلام للسلطة الدكتاتورية،وأنه سوف يقبل كل الضغط الذي يمارسه الدكتاتور عليه،ولكن صبر الشعوب له حدود، وعلى الحاكم الدكتاتوري أن يعتبر من دروس التاريخ لكي يعرف بأن مصيره سوف لن يتغير عن مصير من سبقوه من الحكام الدكتاتوريين. وعليه أن يتوقع بأنه سوف يأتي يوم ويدمر فيه الشعب الثائر كل تلك القصور الرئاسية على رؤوس ساكنيها بلحظة نعم بمجرد لحظة ثأر وغضب، فهل ستنفع الذكرى عندها الحكام الدكتاتوريين؟.

&