ربما تبدو الأمور هادئة وعلى ما يرام في اليمن بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة، ولكن الدلائل تشير الى أن المخاض لن يكون سهلا، وفي أحسن الأحوال سيمر بوعكات كما هو الحال في الوضع التونسي.

اليمن شهدت ثورة كسائر ثورات الربيع العربي، ولا يختلف اثنان على ان هدف الثورة اليمنية لا يختلف عن اهداف سائر الثورات وهو تغيير الواقع السيء الذي يمر به البلد، وهذا التغيير لن يحدث ما لم يتم تغيير القيادة السياسية في البلد وخاصة رأس الهرم القيادي، وهذا بالتحديد ما حدث في مصر وتونس وليبيا وايضا في اليمن، واذا كان التغيير الذي حدث في تونس ومصر وليبيا في القيادة السياسية شبه كامل في البداية الا ان القصة في اليمن مختلفة الى حد ما.

فما حدث في اليمن هو تغيير الرئيس علي عبد الله صالح الا ان اصحاب النفوذ في العهد السابق بقى نفوذهم قويا جدا حتى وان رحلوا عن السلطة، بينما أصحاب النفوذ في تونس وليبيا وحتى مصر عادوا تدريجيا الى السلطة، وما نشهده اليوم من عدم الاستقرار خاصة في ليبيا فانما يعود بالدرجة الأولى الى ان هناك فئة تعتقد ان التضحيات التي تم تقديمها من أجل رحيل القذافي ذهبت ادراج الرياح.

كذلك الحال في اليمن، فالشعور بأن الثورة والتضحيات ذهبت ادراج الرياح كان يساور شريحة واسعة من اليمنيين والذي فعلته حركة انصار الله هي أنها امسكت بزمام المبادرة للتعبير عن هذا الشعور، لذلك لقيت دعما كبيرا ليس من قبل المناطق التي تنشط فيها وحسب بل في الكثير من المناطق.

ولكن هل الأمور تسير على هذه الصورة الوردية؟

في البدء لا أعتقد ان هناك مسلما وعربيا يرضى بأن يمس أي بلد عربي ومسلم بأذى، ومن يشعر بالرضى فليشك باسلامه وعروبته، ولكن من المؤكد ان من بين أصحاب النفوذ في اليمن من تتأثر مصالحه بهذا التغيير الذي حدث، ولن يقف متفرجا عما يجري، ولكن الوضع رهن الفعل الذي يقوم به هذا الطرف، وردة الفعل التي يقدم عليها الطرف الآخر، ونهاية المطاف موقف الحكومة.

فاذا كان الفعل عنيف جدا ويحظى بدعم كبير سواء كان هذا الدعم داخليا أو اقليميا أو دوليا، وفي نفس الوقت ردة الفعل قوية وتحظى بنفس الدعم، عندها سيكون اليمن على كف عفريت خاصة اذا كان موقف الحكومة غير حاسم وغير قادر على التحكم بالاوضاع.

تسليم حركة انصار الله المقرات العسكرية والمدنية التي سيطرت عليها اثناء حراكها الشعبي الذي تطور فيما بعد الى اشتباكات عسكرية لعدة أيام؛ للحكومة مؤشر على ان الحركة والذين يؤيدونها لا يريدون قلب الأمور رأسا على عقب والسيطرة على الحكم والاستفراد به وانما تحقيق اهداف معينة وهي ذاتها التي بحثها الحوار الوطني برعاية الحكومة طيلة العامين الماضين وادرجها ضمن مخرجاته.

بما ان الرئاسة اليمنية وافقت ووقعت على الاتفاق وكذلك وقعت العديد من القوى والاحزاب اليمنية برعاية المبعوث الدولي جمال بن عمر، فاذا استمر المخاض بهذه السلاسة وانتهى بولادة طبيعية فبها، والا فبامكان الرئاسة اليمنية أن تستعين بالدعم الاقليمي، والمتمثل بالدرجة الأولى السعودية وايران.

الثقل الذي تتمتع به السعودية في اليمن غير خاف على أحد، والموقف الذي أعلنته الرياض ودعمها العلني لاتفاق صنعاء وحثها للرئاسة اليمنية على الاسراع في تنفيذه يمنح الاتفاق قوة كبيرة في نجاحه، لاشك ان طهران بدورها يمكن أن تلعب دورا مؤثرا الى جانب الرئاسة اليمنية من خلال توظيف علاقاتها ببعض الاطراف اليمنية وفي مقدمتها حركة انصار الله والجنوبيون.

الظروف كلها مهيئة للرئاسة اليمنية لنقل البلاد الى بر الامان والاستقرار والازدهار، فتسليم الحوثيين للمقرات الأمنية والمدنية يعني الاعتراف بشرعية الرئاسة، كما يمكن القول ان السعودية وفرت الدعم الكامل للرئاسة في دعوتها لها بالاسراع في تنفيذ الاتفاق، وفي نفس الوقت فان الرئاسة تحظى بدعم دولي ويتمثل بوقوف جمال بن عمر الى جانبها، اما طهران فان موقفها من المخاض اليمني لا يختلف عن اللبناني ولا عن السوري ولا عن العراقي، فانها تدعو الى حل المشاكل الداخلية لبلدان المنطقة بالحوار والتفاهم واشراك الجميع، واذا توفرت هذه العناصر فانها بالتأكيد ستكون الى جانب الاتفاق، بل ترحب به وتباركه.

التقارب الايراني – السعودي يؤثر بشكل مباشر على الكثير من ملفات المنطقة، ومن بينها الأزمة اليمنية، وربما ما كانت هناك بارقة أمل لاتفاق صنعاء لو كان قد وقع عليه قبل عامين حيث كانت العلاقات متوترة بين طهران والرياض.

وتقع مسؤولية استغلال كل عوامل النجاح هذه بالصورة الصحيحة وتوظيفا لخدمة البد على عاتق الحكومة، والا فربما لن تحظى بفرصة ذهبية كالتي تحظى بها الآن.

&