منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الاولى والعراق يعاني من مشكلات بنيوية بقيت تتفاعل وتتفاقم تحت مظلة الانظمة الدكتاتورية والعسكرية المتعاقبة التي استطاعت عن طريق القوة المفرطة فرض نوع من الوحدة القسرية المزيفة على البلاد دون الرجوع الى إرادة أي من مكوناته الاساسية او ضمان لحقوق هذه المكونات المتمثلة في العرب الشيعة والعرب السنة والكورد ناهيك عن التنكر لحقوق بقية المكونات من الاقليات القومية والدينية.

لقد ادى هذا التوحيد القسري غير القائم على اساس من المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات الى بروز ما يمكن تسميته اليوم بالظاهرة العراقية، اذ مع الحرية النسبية التي وجدت بعد سقوط النظام الدكتاتوري سارعت وعملت كل المكونات من أجل ضمان حقوقها سيما التي عانت من التهميش والتنكر وكل على حده بعيدا عن مشروع وطني شامل جامع مما خلق الاجواء والظروف الملائمة لولادة و نمو وحوش المحاصصة والطائفية والفساد التي تمزق الكيان العراقي دون رحمة بمباركة العديد من الاحزاب والكتل السياسية الرئيسة في البلاد لتحقيق مصالح ذاتية على عكس الشارع العراقي المغلوب على امره الذي لا يزال متمسكا بالتآخي الوطني رغم كل المآسي والمحن التي يعيشها.

ان القاء نظرة سريعة على مليشيا الاحزاب وتنظيماتها العسكرية وحده بالمقارنة مع جيش الدولة العراقية المفكك والهزيل كاف لتوضيح الصورة الحقيقية لدور هذه الاحزاب الاساسية في البلاد والتي عادة ما تكون مرتبطة بأجندات اقليمية ومستقوية بدعمها مما يعرقل بل يلغي عمليا أي مشروع لإنتاج الدولة الوطنية الديمقراطية الاتحادية.

المشكلة الرئيسية في العراق لا تكمن في ان الشيعة العرب هم ضد السنة العرب ولا في ان كليهما ضد الكورد او العكس فالشارع العراقي بعيد جدا عن هذا التوصيفز والعديد من الاسر والقبائل والعشائر العراقية خليط من كل ما سبق ولكن هذا التوجه والتنظير هو بالذات ما اعتمدته الانظمة الدكتاتورية لتقسيم الشعب العراقي وتسهيل مهمة السيطرة عليه والمأساة تكمن في ان بعض القوى الاساسية في البلاد تعتمد هذه السياسة لتعزيز مواقعها و مكاسبها دون حساب للمستقبل والمآسي المروعة التي يمكن ان تنتج من هذه السياسة العقيمة.

ان أي انتاج للدولة الوطنية الديمقراطية لا يمكن ان يكتب له النجاح ما لم تتوقف القوى السياسية الرئيسة في البلاد من تجييش قومي او ديني او طائفي وما لم تضع علاقاتها الاقليمية والدولية في خدمة الشعب العراقي وقضاياه العادلة و الاتفاق على برنامج وطني موحد يضمن الحقوق الديمقراطية والانسانية لكل مكوناته هذا الضمان والاتفاق الذي يتطلب مصالحة وطنية حقيقية صادقة وتنازلات متقابلة لتحقيق الهوية الوطنية الجامعة لكل المكونات.

صحيح ان ما يشهده العراق هو نتيجة للكبت والظلم والتنكر لحقوق هذا الطرف او ذاك لأكثر من تسعة عقود والمشروع الديموقراطي الوليد يحتاج ايضا الى مناخات و بنى اقتصادية و ثقافية وتربوية غير متوفرة الان ولكن هذا لا يمنع من ان تقدم القوى الرئيسة في البلاد على اتخاذ الخطوات الجادة نحو تصحيح الاوضاع والمواقف باتجاه بناء عراق موحد اختياريا وفي مقدمتها المصالحة الوطنية الجادة الشاملة التي ستخلق الظروف الملائمة لاتخاذ المزيد من الخطوات على طريق تحقيق وحدة وطنية حقيقية مبنية على اساس احترام الاخر وضمان حقوقه والا فعلى هذه القوى مواجهة استحقاقات السياسات الفئوية التي تمارسها والتي تعني تقسيم العراق دون شك ويصبح الكلام عن انتاج الدولة العراقية حديث خرافة.

[email protected]

&