كتبت في&مخيمات تندوف

تعتبر الصحراء الكبرى الإفريقية وتخومها مراتع للإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والتهريب، حتى أن كبار أباطرة المخدرات اللاتينيين استقروا جنوبها وتحديدا في بلدان إفريقيا الغربية ذات الأنظمة الهشة من "جمهوريات الموز" لينطلقوا منها لتصدير بضائعهم عبر الفيافي المترامية بعد أن ضيقت عليهم القارة العجوز الخناق من خلال حسن مراقبة سواحلها الأطلسية وتحصينها من السفن المشبوهة القادمة من بلدان أمريكا الجنوبية والكاراييبي.
وكان في الإعتقاد أن أبناء الصحراء الغربية سيان وقد تمكنت منهم هذه الآفات شأنهم شأن شعوب المنطقة على غرار القبائل الأزوادية التي انخرط بعضها مكرها أو بطيب خاطر مع هذه الجماعات سواء المهربة للبضائع الممنوعة أو التي امتهنت الإرهاب بإسم "الجهاد المقدس". وكان هناك اعتقاد راسخ أيضا أن أبناء المخيمات الصحراوية يعيشون حالة بؤس وشقاء وتدهور للخدمات وتراجعا رهيبا في مستوى الصحة والتعليم& بفعل قلة ذات اليد وشبه العزلة التي فرضها عليهم محيطهم المغاربي والعربي على وجه الخصوص.
لكن هذه الصورة النمطية تتغير بمجرد أن تطأ قدماك أرض مطار تندوف الجزائري قادما من العاصمة وترى& اللاجئين الصحراويين، الذين اعتادوا على استعمال خط الطيران الداخلي هذا، مستبشرين ضاحكين مرحبين بضيوفهم القادمين من مختلف الامصار الغربية على وجه الخصوص للتضامن وتقديم المساعدات الإنسانية. وتضمحل تلك الصورة النمطية تماما بمجرد الوصول إلى المخيمات والبدء في مخالطة سكانها الطيبين - والمغرقين في الكرم والتواقين للتواصل مع أشقائهم التونسيين - والخوض معهم في مختلف القضايا التي تهم ملفهم ومنطقتهم المغاربية والعربية والعالم.
انت أمام جماعة بشرية مثقفة في عمومها وحائزة على الشهائد العليا من جامعات متعددة جزائرية وأوروبية وأمريكية لاتينية وذلك رغم الصعوبات والعراقيل. كما أن من بين الصحراويين من درس في ليبيا زمن حكم معمر القذافي الذي يبدو وأنه رغم تراجعه عن مساندة جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) إلا أنه لم يمنع جامعاته عن الشباب الصحراوي أسوة بالبلدان الثورية في أمريكا اللاتينية على غرار كوبا وفنزويلا.
ويهتم الإسبان باعتبارهم مستعمر سابق بتعليم الصحراويين حيث لوحظ وجود مدرسين ومدرسات قادمين من مختلف بلاد إيبيريا القديمة بهدف تدريس الأطفال الصحراويين ناهيك عن المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات إسبانية للصحراويين في المخيمات. ويأتي ذلك بحسب البعض في إطار "التكفير عن الذنب" باعتبار وأن مدريد سواء مع فرانكو أو مع من سبقه هي سبب معاناة الصحراويين بعد احتلال دام لعقود انتهى بجلاء متأخر نسبيا تسبب في اقتتال بين الاشقاء سببه الرئيسي سوء تصرف المحتل.
والصحراويون في مخيمات تندوف الجزائرية وفي المناطق الخاضعة لسلطة جبهة البوليساريو من الصحراء الغربية، ومن خلال المعاينة، هم جماعة معتدلة في معتقدها الديني ولذلك لم تتمكن التنظيمات التكفيرية من الولوج إليهم واختراق جبهتهم التي تبدو محصنة في هذا الإطار، فهم سنة مالكيون أشاعرة شأنهم شأن باقي الشعوب المغاربية. كما أنهم حداثيون منفتحون على محيطهم الإقليمي وعالمهم الخارجي و للمرأة عندهم مكانة متميزة حتى أن البعض شبه مجتمعهم بخلية النحل التي تلعب فيها الأنثى أهم الأدوار من خلال العمل لتحصيل القوت جنبا إلى جنب مع الرجل ومن خلال النشاط السياسي والجمعياتي ومن خلال الإضطلاع أيضا بمسؤوليات البيت.
واللافت للإنتباه أن مخيمات تندوف نظيفة، يحرص سكانها على تعهدها بالعناية درء للأوبئة والأمراض وحفاظا على سلامة البيئة والمحيط بخلاف عدد من بلاد العرب التي تملأ شوارعها الأوساخ والقاذورات. كما يحرص الصحراويون في المخيمات على توفير مختلف الأمصال والتلاقيح لأبنائهم وهو ما أكده أكثر من شخص تم الحديث معه في هذا المجال إذ يراهن هؤلاء على الجيل القادم ليبني مستقبله على أرضه بعد أن عاش من سبقه لأربعين سنة في الشتات.
ولدى الصحراويين في مخيماتهم جهاز قضائي فيه درجتان للتقاضي ومحكمة عليا أسوة بجميع بلدان العالم ولديهم شرطة تحرص على فرض النظام وضمان تنفيذ القوانين. ولديهم أيضا وكالة أنباء ودار نشر شهيرة هي "راماتان راصد" وهي أول دار نشر في مخيم للاجئين، كما توجد لديهم إذاعة وقناة تلفزية تصارع منذ مدة من أجل البث على أحد القمرين الصناعيين عربسات ونايلسات لكن دون جدوى ما يضطرها إلى البث عبر قمر يصعب التقاطه في البلاد العربية.
وتخضع ربع مساحة الصحراء الغربية لسيطرة جبهة البوليساريو التي تطلق عليها تسمية "الأراضي المحررة" وهي أراض شاسعة غنية بالثروات الطبيعية شأنها شأن بقية الأراضي الصحراوية وقد بدأ بعض سكان المخيمات ممن كانوا يقيمون في الجزائر بإعمارها. ولدى هؤلاء منفذ بحري قرب الحدود مع موريتانيا ويفصل بين هذا الجزء من الصحراء الغربية والجزء الخاضع لسيطرة المغرب جدار فاصل محصن وتتواجد القوات الأممية على طرفي الجدار لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين.
ويتمسك أغلب من تم الحديث معهم من الفاعلين الصحراويين وعلى رأسهم رئيس جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز بالشرعية الدولية ويحرصون على إجراء إستفتاء تقرير المصير الذي سيعبرون من خلاله إما عن رغبتهم في الإنضمام إلى المغرب أو التمتع بحكم ذاتي في ظل الدولة المغربية أو تشكيل دولة مستقلة يتم تقاسم ثرواتها مع الجار المغربي. وفي هذا الإطار يؤكد قادة جبهة البوليساريو أنهم على استعداد لحل جناحهم المسلح والتحول إلى حزب سياسي مدني في حال اختار& الصحراويون في استفتائهم الإنضمام إلى المغرب وذلك بالرغم من أنهم أعضاء في الإتحاد الإفريقي وتعترف بدولتهم بلدان إفريقية كبرى على غرار جنوب إفريقيا ونيجيريا إلى جانب الجزائر.
ويوجه رئيس البوليساريو لومه وعتابه إلى البلدان العربية التي التزم بعضها الحياد في هذا الملف، ويدعوها إلى لعب دور أكبر لحل هذه الأزمة على أساس الشرعية الدولية من خلال التعجيل بإجراء الإستفتاء.
&