&أمر السياسيين في اقليم كردستان عجيب، فهم يكررون انفسهم دائما ويرددون نفس الشعارات ويعيدون نفس السياسات العقيمة التي كانت سائدة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين والتي تدور حول الحرية والاستقلال والفدرالية والانفصال عن العراق، ولكن دون ان يجسدوا هذه الشعارات الى واقع ملموس، في جهل مطبق بكيفية تحويل الشعارات والهتافات المجردة الى واقع، فظلوا يدورون في دائرة عبثية ضيقة ويعيدون نفس السيناريو الابدي الممل ؛ الحرب والمواجهة المسلحة تعقبها هدنة ومفاوضات طرشان مع بغداد ثم تبدأ الحرب من جديد وتنتهي بمفاوضات عبثية ثانية وهكذا دواليك، يستمر مسلسل العبط هذا الى ان يظهر قائد من بينهم يعرف"فن"تحويل الشعارات الى واقع عملي ويخرج المجتمع من حالة العبث والضياع التي يعيش فيها منذ عقود ويحدد اهدافه بدقة ويعمل من اجله، ليس فقط بالكلام بل بالعمل الجاد، ولكن مع الاسف لم يظهر هذا الشخص الى الان.

مشكلة هؤلاء القادة انهم لايعرفون بالضبط ماذا يريدون والى اي هدف يسعون، هل يريدون الانفصال عن العراق وتشكيل دولتهم المستقلة ام يكتفوا بالنظام الفدرالي او الكونفدرالي والبقاء ضمن حدود البلاد ووحدتها الوطنية، ام الدخول في صراع دائم مع بغداد؟ من سوء حظ الاكراد انهم يمتلكون قادة وليس قائد واحد يتبعونه و يلتفون حوله، قد يكون عندهم قادة حزبيون اقوياء ولكن لا يوجد لديهم قادة تاريخيين، وهذا اكيد، منذ 1991 ولغاية اليوم لم يستطع اي من مسعودبارزاني او جلال طالباني ان يكونا قائدين تاريخيين يجمعان كلمة الامة على هدف واحد ويحققان لها املها في النجاة من طوق العبودية، بل ظلا طوال الفترة الطويلة زعيمين لحزبين فقط، لديهما رؤية وثقافة واستراتيجية مختلفة، وعلاقات دولية مختلفة وكأنهما قائدين لدولتين مختلفتين، الحزب لديهما هو الوطن والوطن هو الحزب، وهما شيء واحد لا ينفصل احدهما عن الاخر، لم يجدا اي فرق جوهري بين الاثنين! الحزب هو الوطن والوطن هو الحزب، لذلك فقد تجاهلا كل نداء يدعو الى نبذ الحزبية والتوجه نحو المؤسساتية في بناء المجتمع الكردي..

&وجاء"نوشيروان مصطفى"ليزيد الطين بلة ويوسع الهوة اكثر بين الاكراد الذين عقد الكثير منهم آمالا عريضة على شعاراته الاصلاحية ورأوا فيه زعيما حقيقيا قادرا على انتشالهم من المستنقع الحزبي الآسن الذي وقعوا فيه، ولكن سياسته المتسرعة وخطابه الثوري الصدامي وثقافته المناطقية الضيقة حالت دون نجاح التجربة..

والنتيجة اننا مازلنا ندور في حلقة مفرغة ؛ لا حرية نلناها ولا تقدمنا خطوة جادة نحو الانفصال رغم كل التضحيات الكبيرة التي قدمناها، وظللنا ندور في ساقية الحكومات العراقية كالثور المغض عينيه، دون ان نطال بلح الشام ولا عنب اليمن ! فقط اكتفينا بديمقراطية رثة، فريدة من نوعها، لا تشبه أيا من الديمقراطيات السائدة في العالم، تقضي هذه الديمقراطية التي اصبحت تقليدا سياسيا متوارثا ؛ أن تنتقد السلطة بقدر ما تستطيع وبالشكل الذي تريده وهي بدورها حرة ولها مطلق الحرية في أن تتجاهلك (بكل برود) ولا تعير لك ولرأيك وزنا، بل تعتبر وجودك كعدمك. بإمكانك أن تنزل إلى الشارع وتبدأ بالصراخ ضد الحكومة ومؤسساتها إلى أن تتقطع أنفاسك!! ومن دون أن يعترض طريقك أو يمسك أحد بسوء ما دمت تتحرك ضمن الدائرة الضيقة لهذه الديمقراطية"الفلتة"التي لا يوجد لها نظير في العالم.