"حقيقة المعلومات الاستخبارية التي تلقيناها عن العراق كانت خاطئة، حتى مع استخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد شعبه وضد آخرين"، وظننا أنه يمتلكها بالصورة التي توقعناها ولم تكن صحيحة ". هذه تصريحات توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق. قبله هليري كلنتن المرشحة الحالية للرئاسة الأمريكية التي أعادت مرات ومرات أن وكالة المخابرات الأمريكية قدمت معلومات إستخباريةغير صحيحة عن العراق".&

في الإعلام التجسسي الرذيل تبحث الكثير من المؤسسات الإعلامية الاستخبارية عن المندوب أو الوكيل التجاري ليكون همزة الوصل في نشر الأفتتاحيات وما تفضل المؤسسة الإعلامية ووكالة مخابراتها إذاعته من أفكار ونشرها في صحفها وفضائياتها كي تتحكم بميول الناس وتوجيه ثقافتهم السياسية وبأخبار مختارة تؤمن بها وتمثلها. والصورة المثالية في ذلك هي تفوق الموساد الأسرائيلية وتحكمها الرهيب في عمل الأستخبارات التي تبث وتتحكم بموجبها بالسياسات العامة في الدول العربية والغرب الأوروبي والأمريكي.&

هذا هو ما تقوده إعلامياً مؤسسات توسيع رقعة الأرهاب ومدلولاته وعواقبه الوخيمة، وذلك ماافتضح عن دوائر الموساد والوكالات التجسسية الإعلامية ورقعتها في " ماكنة القتل الأكثر تأثيراً في العالم " في الرابط أدناه:&

http://rense.com/general32/ruth.htm&

فما هو العمل؟ قادة العراق الحاليين على معرفة " والى حد ما " أنهم لا يحكمون البلاد بنسبة كبيرة إدارياً. فالنسبة الكبرى 65 % الى 70% من إدارة أرض العراق والسيطرة عليها تتحكم فيها سياسياً وعسكرياً وفنياً وصناعياً وبترولياً، مخابرات أجنبية بأجهزة تجسس الكترونية وبشرية في الأرض والجو، ومن دول محيطة جعلت النظام السياسي الحالي والسابق تحت رحمة التفوق المخابراتي و سياسة الأرهاب التخويف. كذلك الأمر بالنسبة الى دول عربية تقف عند حد معرفة عمل وكلاء المخابرات والسفراء والمستشارين في بلادها وتسكت عن معالجة أمراضها، والأسوء أنها تطلب رسمياً من دول الغرب لمعالجتها لها.&

الفكر السياسي العراقي بسياسيه الحاليين، متأخر جداً ومضطرب في التمييز بين المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية التي تدعي دقة وحيادية بث الاخبار وفهم مردود دخل شبكاتها المالية وتأثيرها على حقيقة حياد الوكيل التجاري وتنقل عنه صور مختلفة غير مؤكدة بمساعدة خارجية مشكوكة الأهداف والنوايا.&

الفائدة التي أجنيها شخصياً من مقالات أنشرها في "إيلاف" تسهم في تعليمي والآخرين بالحس والشعور العاطفي الحقيقي الذي يطرحه بعض الأخوة المعلقين و تمييزهم الحسي الوطني لما تمثله وسائل الإعلام من دقة أو أكاذ يب في نقل الاخبار السياسية بعد دخول الأرهاب العسكري الميدان برذالة منقطعة النظير وأساء الى حقل المهنة والشرف الإعلامي.&

وسياسيو العراق بعربهم وأكرادهم سارعوا في أكثر من مناسبة الى هذه المؤسسات حباً للتصريح عن مواقفهم من الأرهاب السياسي والمذهبي، ثم وقفوا عند حد المنابر الكلامية للحديث عن إهدار طاقات الموارد والثروة دون الوصول الى الحقل السياسي المخصص لواجباتهم. وأصبحت الديمقراطية والدين والمصالحة الوطنية، تطبيقاً لمشاريع مستوردة تصغوها وتشارك بها أيدي المخابرات الأجنبية، حتى أن علمية التخبط الحالي بين تفضيل القصف الأمريكي أو القصف الروسي لإهداف داخل العراق وسوريا أصبحت محط مسابقات كلامية، ويُبقي الخطاب السياسي الشيعي والسني والكردي غير واضح وغيرمقنع ومحاط بألغاز أجندات دول إقليمية ودولية.&

فالجهات الشيعية مثلاً، ترى أن عليها تعزيز علاقاتها مع روسيا حيث تسهم قواتها الجوية بالحملة ضد عناصر داعش بنجاح كما أعلنه مصدر في لجنة الدفاع والأمن مشيرا إلى أن ذلك ساعد العراق كثيرا في حربه ضد التنظيم. أما زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فهو يرى أن على الحكومة اتخاذ اجراءات لمنع ورفض أي تدخل امريكي في عمليات عسكرية عراقية في المستقبل، كالعملية التي نفذتها قوة امريكية قرب الحويجة بمشاركة البيش مركة لآنها تُمثل تعديا على الحكومة العراقية واستقلالها”.&

التخبط العراقي واضح ويأتي من أفواه أشخاص لم تطأ أقدامهم أرض العلاقات الدولية ويولون لأحاديثهم عن الدول، الأهمية الكبرى بنشر فيديوات وصور متلفزة لتصريحاتهم وإجتماعات لا طائل من ورائها وتعليقات منشورة على الأنترنت و وسائل التواصل الأجتماعي المصور وخصوصياته المفيدة والمضرة.&

قرأتُ تعليق أحد الأخوة على مقالي الأخير المنشور يوم 18 أكتوبر تشرين أول وعنوانه (الإرهاب المقدس وكالات مجاهديه). والنقطة التي أثارها أثبتت لي أن البعض منا لا يريد أن يعرف ويبذل الجهد ليتعلم التمييز بين وسائل ورسائل المؤسسات الإعلامية وأغراضها النبيلة والرذيلة، رغم المأسي التي نمر بها. هذا البعض يرسل الى أسماعنا وأنظارنا مايسمعون ويكررون بغباء مفرط قصص أخبار كاذبه تسهم في توسيع رقعة الإرهاب والتجسس بحسن الظن بوسائل الإعلام الرهيبة أو بسوء الظن ببعضها.

&وجاء في نص تعليق القارئ المذكور مثالية قوله (هناك الكثير من الاعلاميين يفتقدون الى الحس الانسانى ولا يفرقون بين نقل خبر المصائب وخبر الأفراح....ولا أعرف كيف يعملون فى الاعلام؟ والكثير منهم طائفيون ولا يعرفون أن الاعلام يجب أن يكون محايدا على الأقل فى أغلب الأوقات ان لم يستطع أن يكون محايدا على طول. والكثير منهم يفتقرون الى أبسط الثقافة...واذا كان هذا هو حال الاعلاميين والمثقفين فكم يكون حال عامة الشعب؟ لذلك لا نستغرب الانحطاط الثقافى الذى نعانى منة...واذا كان هذا هو النور الذى فيهم فكم يكون الظلام؟ داعش ﻫﻲ عصابة من صناعة إيران هي تمثل شيطان عصابة الملالي وتطبق خطة الارهابيين).&

النقطة التي أثارها الأخ القارئ وإستغرابه من الانحطاط الثقافي الذى نعانى منه،هي نقطة جيدة و في منتهى الأهمية، لكنه ومن جانبه قابلها بإنحطاط ثقافي سياسي آخر مشار إليه في نفس تعليقه بعفوية إسترساله في التهجم على روسيا والنظام السوري وحزب الله و تشويه الثورة السورية وفصائلها وان داعش ﻫﻲ عصابة من صناعة إيران، فتنتفي بذلك الحقيقة ويصبح القصد بعيداً ومشوهاً للنقد الموضوعي الثقافي والمعرفة السليمة.

النقطة الأولى هي فهم دور الإعلام. الإعلام ماكان محايداً يوماً ولن يكون. وعهوده وإستقلاليته إختفت وتبخرت منذ زمن بعيد. وقد اختلطَ الإرهاب المذهبي الجهادي الإعلامي بعناصر الشعوذة الدينية وإنتشارها ليعم الفساد والسرقات وتغيب العدالة. ومما أزاد في شدة المحنة وحدتها، الأرهاب المفروض والمستورد إعلامياً من دول خارجية دون تمييز خطورته. ولم تقم أي من الحكومات للحد من تأثيره وطغيانه على حياة المواطنين اليومية. ومايطلق عليه الإعلام الحيادي هو الخط الذي تأخذه مؤسسة تسند عقيدة سياسية، عسكرية، أمنية، ومذهبية معينة وتطبق جدلية التمويه الإعلامي misinformation لخدمة مصالحها وأهدافها التي قامت من أجلها. ولو كانت هناك ثقافة اعلام محايد كما يقترحها الأخ القارئ لما تعددت الكنائس والجوامع وتعددت مذاهبها وأتباعها وتنافس ربابنتها في تفسير أحاديث دينية مثلاً.

النقطة المهمة الثانية هي نية التمويه الإعلامي والتوجيه الأعمى وتجميل الصورة الإعلامية وتوجيه بعضها الى خنق كل محاولة للتغيير نحو الافضل بطريقة أخلاقية بعيدة عن التوجيه الصحيح. هذا التوجيه الأعمى وهي المهمة التي تلجأ إليها برلمانات الدول بإسناد إعلامي تحت بند " سرية جلسات البرلمان ".&

والعلة الثالثة وبملاحظة دقيقة لما يجري في العراق ولأكثر من عشر سنوات هي عبارة "المصالحة الوطنية" بإطالة فترة عدم العمل الإصلاحي الوطني الذي لايثمر بإضاعة الوقت في مقابلات لاقيمة لها وأحاديث بعض قادة العراق وبرلمانييه وبيانات تعقب إجتماعاتهم، أرضاءاً لغرورهم الشخصي، كأنهم ولادة عالم آخر. فترى أن مايهم بعض القادة الشيعة والسنة والكرد هو تجميل صورة عملهم وعنوان وظيفتهم بالحديث مع سفراء دول أجنبية عن النازحين والضحايا. و يجلس بعضهم مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق " يان كوبيتش" ويتكلم ويشكو ويشرح من خلال مترجم عن (( حجم التحديات التي تواجه دول المنطقة والذي يستدعي مزيداً من الحوار والتعاون لمواجهتها" ثم يخرج مكتبه ببيان يضيف هالة مطرزة عن نجاح الأجتماعات مع المبعوثين الدوليين الأجانب وإنجازاتهم، بالقول " ان الطرفين استعرضا مستجدات الاوضاع على الساحة المحلية, بالإضافة الى ملف النازحين وملف المصالحة الوطنية والإرهاب والجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في هذا الجانب، فضلاً عن استعراض تطورات الوضع الاقليمي)). ويتصور السياسي العراقي أنه بهذه الكلمات أدى واجباً رائعاً وخدمة فذة للشعب المنتظر للإصلاح.&

والعلة الرابعة إن المواطن العراقي يطلب وبخلقية جدلية عالية "الحيادية في الإعلام" ظناً أن ذلك يوصل الى حقائق الأمور ومعرفة الإرهاب المقدس وبيئة التثقيف ألإرهابية التي فرضت نفسها وشروطها على واقع الحياة العربية بتبني شرعية الجهاد الذي كتبتُ عنه مرات ومرات، والذي ترعاه وتموله، دون أدنى شك، وكالات مخابرات في دول عديدة و تسهم في تمويل هذا النوع من الإعلام وحقنه بنصف الحقيقة وتُسوّقه في دعم فصائل أرهابية بالسلاح والعتاد حسب الحاجة وبالطريقة المطلوبة لمناهجها الإستخبارية, كيف فاتت وهمية الإعلام المخرب وحقيقة وجوده الرذيل على بعض المعلقين؟ وكيف يُمكن الأعتقاد والجزم بأن داعش ﻫﻲ صناعة حكومية إيرانية أو تركية أو عراقية أو سورية؟

السياسة لم تعد مناقشة الفكرة بالفكرة واخلاقيتها ولم تعد سلوك يبتعد عن الإرهاب بتفضيل طرق الدبلوماسية وفن التفاوض والتعمق بأساسية الحقوق وشرعيتها. ولو كانت كذلك لأتبعتها إسرئيل مع الفلسطينيين.

كاتب وباحث سياسي مستقل&