لماذا يُقدم ضابط أمن أردني في مُقتبل العمر وأب لطفلين على إطلاق النار على مدربين أجانب في مركز تدريب الموقر، فيقتل أميركيين اثنين، وجنوب أفريقي، واثنين من المترجمين الأردنيين قبل أن يُقتل أو ينتحر؟ سؤال يبدو أنه سيظل بدون جواب رغم التصريح الحكومي بأن الحادث فردي ومعزول عن الارتباط باي جهة كانت، وهو يتعلق بامور نفسية ومالية للجاني، وان بعض زملائه لاحظوا ان تصرفاته في الفترة الاخيرة لم تكن مستقرة، رغم أنه لم يثبت ان الجاني تناول اي عقاقير نفسية، ورفض ما وصفه وزير الدولة لشؤون الدكتور الاعلام بالإشاعات ونظريات المؤامرة التي حاولت "قلة قليلة" من وسائل الاعلام وبعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي الترويج لها في القضية، لكن المعروف أن العاملين في الأجهزة الأمنية، وخصوصاً في مراكز التدريب المشتركة، يخضعون لتدقيق أمني شامل.
بصمت ودون التفوه بأي عبارات سياسية أو عقائدية، نفذ القاتل جريمته التي تزامنت مع ذكرى التفجيرات الإرهابية قبل عشر سنوات، والتي اقترفها تنظيم الزرقاوي في عدد من فنادق عمان، ما يطرح سؤالاً حول التوقيت أولاً وحول إن كانت الجريمة فردية بدافع شخصي أو سياسي، أم هي عملية مدبرة يقف خلفها تنظيم إرهابي، خصوصاً وأن مركز الموقر للتدريب وهو ثمرة تعاون أردني أميركي كان هدفاً لأكثر من محاولة، أحبطت قبل تنفيذها، وتؤشر المعلومات الأولية أن هجوم الاثنين عمل مقصود دون أي مقدمات تقود إلى دوافعه، وهل هو نتاج حالة يأس شخصية يُقال إن الجاني وقع تحت تأثيرها، بسبب رفض إنهاء خدماته، أم هو استجابة لاعتبارات أخرى عقائدية متطرفة، ويرجح هذا الاحتمال المناخ المشبع بالعنف والكراهية والتطرف السائد في المنطقة، وخير مثال تقاطر الجهاديين من مختلف أصقاع الأرض إلى العراق وسوريا.
كانت تسريبات من التحقيق كشفت أن القاتل طلب السفر إلى تركيا قبل نحو شهر، وهو ما تم رفضه، ويتوقع أن تكشف مراسلات مهمة على هاتفه، إلى حل بعض الألغاز، خصوصاً رسالته التي أرسلها إلى أصدقاء له ويقول فيها إنه حينما نجهز متاعاً لسفر، نخاف أن ننسى شيئاً ولو يسيراً، وكلما كانت مدة السفر أطول كان الحرص أشد فما بالك بإقامة، إما جنة وإما نار، وهي تؤشر بوضوح إلى نيتة الإقدام على عمل يعتقد أنه يقربه من الجنة ويجنبه النار، والواضح أن هذه الفكرة الظلامية التي تملكت اهتمامه وأغلقت عقله وبصيرته، هي ما دفعته للإسراع إلى جنته عبر طريق دموي، والأكثر خطورة أن هذه الفكرة تستحوذ على ملايين الرؤوس، وقد تدفع أي واحد منهم ليكون قنبلة تنفجر بغض النظر عن من تأخذ بطريقها من الأبرياء.
الرئيس الأميركي أعلن أن إدارته على اتصال وثيق مع الأردن للبحث والتحقيق في الاعتداء، وأنها تتعامل بجدية كبيرة مع الحادثة وسفارته في عمان أكدت أن من السابق لأوانه التكهن بالدافع وأنها تعمل عن كثب مع الحكومة الأردنية وأجهزتها الأمنية على إجراء تحقيق كامل وشامل، والسلطات الأردنية تخبطت فأعلنت أن قوات الشرطة تعاملت مع الحادث وقتلت المهاجم، فيما قال مصدر أمني قبل ذلك إنه انتحر، وعائلتة أنكرت أي علاقة له بأي تنظيم إرهابي كداعش، وكأن المنطقي أن يخبرهم بذلك لكنهم وتحت تأثير ضغوط مستترة أعلنوا لاحقاً تأكيدهم أن شباب الأردن ليسوا هدفا سهلا لأي جماعة متطرفة، وأنهم مستعدون لإنكار واستنكار أي محاولة قد تلجأ لها أي من الجماعات الدخيلة على إسلامنا السمح.
بعد عشر سنوات من جريمة الفنادق، يبدو أن الحكومات الأردنية لم تتعلم أو تدرك أن الإرهاب جزء أصيل من مناهج الدراسة التي وضعها الإخوان المسلمون حين سيطروا على وزارة التربية والتعليم، فهناك أحاديث منسوبة للرسول الكريم تحمل شحنات من العنف تدعو لقتل من يختلف إيمانه عن إيمان المسلم، ومن لا يؤدي شعائر الإسلام، ودون أن تعي أن مفاهيم القتال والردة وهدر الدماء واستباحة الأموال، والجزية والإرغام على إقامة الصلاة مفاهيم تُحشى في عقول أجيالنا الجديدة، وهي بعيدة كل البعد عن الوسطية وسماحة وتسامح الإسلام، ما دام طلبتنا يتعلمون وجوب قتال من لا يؤمن إيمانهم، وبعد عشر سنوات من جريمة الفنادق لازال الكثير من خطباء المساجد يُحرضون على العنف، ويُكفرون المسيحيين، وبعضهم يكفر طوائف من المسلمين ويدعون لقتلهم،وتغافلت حكومتنا عن احتشاد آلاف المغرر بهم في ساحات الملاعب المخصصة للرياضة، لسماع ترهات "الداعية" السعودي الأفاق العريفي، وكأنها تشجع الأفكار المسمومة التي يبثها.
&من حقنا أن نسأل، لماذا لم تستفد حكوماتنا المتعاقبة من درس تفجيرات الفنادق، ولم تعمل على تجنب حوادث مماثلة، ليس فقط بتشديد الإجراءات الأمنية، وإنما بمحاربة الفكر الذي يمجد جرائم كهذه وأقصد بذلك أفكار جماعة "الإخوان المسلمين" التي لم يخجل قادتها من التعزية في الزرقاوي العقل المدبر لتلك الجريمة، ولم تمنع فتح بيوت عزاءٍ لكلَّ الإرهابيين الأردنيين الذين يقتلونَ العراقيين والسوريين، ولماذا تتغاضى عن أستاذٌ جامعيٌّ يقدم نفسه المريضة على أنه داعية، وهو يعتبرُ أنَّ الدواعشَ يُستسقى بهم الغمام، ولماذا لايعاد النظر في مناهجنا التكفيرية، ولماذا تظل حدودنا مفتوحة لشبابنا المغرر بهم للإلتحاق بالدواعش، بينما تمتلك أجهزتنا قدرة فائقة على منع أي مساس بأمن الجارة "اسرائيل".
يأمل كثير من الأردنيين أن تكون حادثة الموقر فردية، وأن لاتكون نتيجة لانضمام القاتل إلى واحد من التنظيمات التكفيرية، لكن الجريمة تحتاج إلى أجوبة من الأجهزة الأمنية حول امكانية تغلغل التنظيمات الارهابية فيها، التي باتت تعتمد التجنيد الفردي لمؤازريها و"المؤمنين" بفكرها الظلامي، وهؤلاء كثيرون يتعذر أو يستحيل حصر أعدادهم أو تحديد أزمنة وقدراتهم على الحركة، وإذ يؤمن كثير من الأردنيين بأن الغدر نقيصة، وأن دين "العدو" لا يعطي شرعية لقتله، فإنهم يعتبرون مجرم الموقر جباناً، ويستكثرون ويستنكرون ويستهجنون إطلاق بعض المتأسلمين صفة الشهيد عليه وعلى كل من يقترف عملاً إرهابياً.
&